الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية ***
من فروعها: لو ظن المكلف, في الواجب الموسع أنه لا يعيش إلى آخر الوقت. تضيق عليه, فلو لم يفعله, ثم عاش وفعله: فأداء على الصحيح. ولو ظن أنه متطهر, فصلى, ثم بان حدثه. أو ظن دخول الوقت, فصلى, ثم بان أنه لم يدخل. أو طهارة الماء, فتوضأ به, ثم بان نجاسته. أو ظن أن إمامه مسلم, أو رجل قارئ, فبان كافرا, أو امرأة, أو أميا. أو بقاء الليل, أو غروب الشمس, فأكل, ثم بان خلافه. أو دفع الزكاة إلى من ظنه من أهلها, فبان خلافه. أو رأوا سوادا فظنوه عدوا فصلوا صلاة شدة الخوف, فبان خلافه, أو بان أن هناك خندقا. أو استناب على الحج, ظانا أنه لا يرجى برؤه, فبرئ: لم يجز في الصور كلها. فلو أنفق على البائن ظانا حملها, فبانت حائلا: استرد. وشبهه الرافعي: بما إذا ظن أن عليه دينا فأداه. ثم بان خلافه. وما إذا أنفق على ظن إعساره, ثم بان يساره. ولو سرق دنانير ظنها فلوسا, قطع. بخلاف ما لو سرق مالا يظنه ملكه, أو ملك أبيه, فلا قطع, كما لو وطئ امرأة يظنها زوجته, أو أمته. ويستثنى صور: منها لو صلى خلف من يظنه متطهرا, فبان حدثه: صحت صلاته. ولو رأى المتيمم ركبا, فظن أن معهم ماء: توجه عليه الطلب. ولو خاطب امرأته بالطلاق. وهو يظنها أجنبية, أو عبده بالعتق, وهو يظنه لغيره; نفذ. ولو وطئ أجنبي أجنبية حرة يظنها زوجته الرقيقة: فالأصح أنها تعتد بقرأين, اعتبارا بظنه, أو أمة يظنها زوجته الحرة. فالأصح أنها تعتد بثلاثة أقراء لذلك.
ولهذا لو حلف: لا يسكن هذه الدار, ولا يقيم فيها, فتردد ساعة: حنث, وإن اشتغل بجمع متاعه, والتهيؤ لأسباب النقلة: فلا. ولو قال طالب الشفعة للمشتري, عند لقائه: بكم اشتريت؟ أو اشتريت رخيصا؟ بطل حقه. ولو كتب: أنت طالق, ثم استمد. فكتب: إذا جاءك كتابي, فإن لم يحتج إلى الاستمداد طلقت, وإلا فلا.
ويستثنى صور, ينكر فيها المختلف فيه: إحداها: أن يكون ذلك المذهب بعيد المأخذ, بحيث ينقص. ومن ثم وجب الحد على المرتهن بوطئه المرهونة, ولم ينظر لخلاف عطاء. الثانية: أن يترافع فيه الحاكم, فيحكم بعقيدته, ولهذا يحد الحنفي بشرب النبيذ; إذ لا يجوز للحاكم أن يحكم بخلاف معتقده. الثالثة: أن يكون للمنكر فيه حق, كالزوج يمنع زوجته من شرب النبيذ, إذا كانت تعتقد إباحته, وكذلك الذمية على الصحيح.
ولهذا يجوز إدخال الحج على العمرة قطعا, لا عكسه على الأظهر. ولو وطئ أمة, ثم تزوج أختها, ثبت نكاحها وحرمت الأمة; لأن الوطء بفراش النكاح أقوى من ملك اليمين, ولو تقدم النكاح, حرم عليه الوطء بالملك; لأنه أضعف الفراشين.
قال ابن السبكي: وهي من أشهر القواعد المستنبطة من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم". وبها رد أصحابنا على أبي حنيفة قوله: "إن العريان يصلي قاعدا". فقالوا: إذا لم يتيسر ستر العورة, فلم يسقط القيام المفروض؟ وذكر الإمام: أن هذه القاعدة من الأصول الشائعة التي لا تكاد تنسى ما أقيمت أصول الشريعة. وفروعها كثيرة: منها: إذا كان مقطوع بعض الأطراف, يجب غسل الباقي جزما. ومنها: القادر على بعض السترة, يستر به القدر الممكن جزما. ومنها: القادر على بعض الفاتحة, يأتي به بلا خلاف. ومنها: إذا لم يمكنه رفع اليدين في الصلاة إلا بالزيادة على القدر المشروع, أو نقص أتى بالممكن. ومنها: إذا كان محدثا وعليه نجاسة, ولم يجد إلا ما يكفي أحدهما, عليه غسل النجاسة قطعا. ومنها: لو عجز عن الركوع والسجود دون القيام لزمه بلا خلاف عندنا. ومنها: نقل العراقيون عن نص الشافعي: أن الأخرس يلزمه أن يحرك لسانه بدلا عن تحريكه إياه بالقراءة كالإيماء بالركوع والسجود. ومنها: لو خاف الجنب من الخروج من المسجد, ووجد غير تراب المسجد, وجب عليه التيمم كما صرح به في الروضة ووجه بأن أحد الطهورين التراب: وهو ميسور فلا يسقط بالمعسور. ومنها: واجد ماء لا يكفيه لحدثه أو نجاسته, فالأظهر وجوب استعماله. ومنها: واجد تراب لا يكفيه, فالمذهب القطع بوجوب استعماله. ومنها: من بجسده جرح يمنعه استيعاب الماء, والمذهب القطع بوجوب غسل الصحيح مع التيمم عن الجريح. ومنها: المقطوع العضد من المرفق, يجب غسل رأس عظم العضد على المشهور. ومنها: واجد بعض الصاع في الفطرة يلزمه إخراجه في الأصح. ومنها: لو أعتق نصيبه وهو موسر ببعض نصيب شريكه, فالأصح السراية إلى القدر الذي أيسر به. ومنها: لو انتهى في الكفارة إلى الإطعام فلم يجد إلا إطعام ثلاثين مسكينا: فالأصح وجوب إطعامهم, وقطع به الإمام. ومنها: لو قدر على الانتصاب وهو في حد الراكعين, فالصحيح أنه يقف كذلك. ومنها: من ملك نصابا بعضه عنده وبعضه غائب, فالأصح أنه يخرج عما في يده. في الحال. ومنها: المحدث الفاقد للماء إذا وجد ثلجا أو بردا, قيل: يجب استعماله, فيتيمم عن الوجه واليدين, ثم يمسح به الرأس, ثم يتيمم عن الرجلين, ورجحه النووي في شرح المهذب, نظرا للقاعدة, والمذهب أنه لا يجب. ومنها: إذا أوصى بعتق رقاب, فلم يوجد إلا اثنان وشقص, ففي شراء الشقص, وجهان أصحهما عند الشيخين: لا, وخالفهما ابن الرفعة والسبكي نظرا للقاعدة. تنبيه: خرج عن هذه القاعدة مسائل: منها: واجد بعض الرقبة في الكفارة, لا يعتقها, بل ينتقل إلى البدل بلا خلاف. ووجه بأن إيجاب بعض الرقبة مع صوم الشهرين, جمع بين البدل والمبدل, وصيام شهر مع عتق نصف الرقبة فيه تبعيض الكفارة, وهو ممتنع, وبأن الشارع قال: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} وواجد بعض الرقبة لم يجد رقبة.
فلو قدر على البعض, ولم يقدر على الصيام ولا الإطعام, فثلاثة أوجه لابن القطان: أحدها: يخرجه ويكفيه. والثاني: يخرجه ويبقى الباقي في ذمته. والثالث: لا يخرجه. ومنها: القادر على صوم بعض يوم دون كله, لا يلزمه إمساكه. ومنها: إذا وجد الشفيع بعض ثمن الشقص, لا يأخذ قسطه من الشقص. ومنها: إذا أوصى بثلثه يشترى به رقبة, فلم يف بها, لا يشترى شقص. ومنها: إذا اطلع على عيب, ولم يتيسر له الرد ولا الإشهاد, لا يلزمه التلفظ بالفسخ, في الأصح.
ومن فروعها: إذا قال: أنت طالق نصف طلقة أو بعضك طالق, طلقت طلقة. ومنها: إذا عفا مستحق القصاص عن بعضه, أو عفا بعض المستحقين, سقط كله. ومنها إذا عفا الشفيع عن بعض حقه, فالأصح سقوط كله, والثاني لا يسقط شيء لأن التبعيض تعذر, وليست الشفعة مما يسقط بالشبهة, ففارقت القصاص والطلاق. ومنها: عتق بعض الرقبة, أو عتق بعض المالكين نصيبه وهو موسر. ومنها: هل للإمام إرقاق بعض الأسير؟ فيه وجهان, فإن قلنا لا, فضرب الرق على بعضه رق كله. قال الرافعي: وكان يجوز أن يقال: لا يرق شيء, وضعفه ابن الرفعة بأن في إرقاق كله درء القتل, وهو يسقط بالشبهة كالقصاص, ثم وجهه بنظيره من الشفعة. ومنها: إذا قال: أحرمت بنصف نسك, انعقد بنسك كالطلاق, كما في زوائد الروضة, ولا نظير لها في العبادات. ومنها: إذا اشترى عبدين فوجد بأحدهما عيبا, لم يجز إفراده بالرد, فلو قال رددت المعيب منهما, فالأصح لا يكون ردا لهما, وقيل يكون. ومنها: حد القذف, ذكر الرافعي في باب الشفعة: أن بالعفو عن بعضه لا يسقط شيء عنه, واستشهد به للوجه القائل بمثله في الشفعة, وتبعه جماعة آخرهم السبكي. قال ولده, ولم يذكر المسألة في باب حد القاذف, وإنما ذكر فيه مسألة عفو بعض الورثة, وفيها الأوجه المشهورة أصحها: أن لمن بقي استيفاء جميعه, وهو يؤيد أن حد القذف لا يتبعض. قال: وفيه نظر فإنه جلدات معروفة العدد, ولا ريب في أن الشخص لو عفا بعد جلد بعضها سقط ما بقي منها, فكذلك إذا أسقط منها في الابتداء قدرا معلوما. تنبيه: حيث جعلنا اختيار البعض اختيارا للكل, فهل هو بطريق السراية أو لا, بل اختياره للبعض نفس اختياره للكل؟ فيه خلاف مشهور في تبعيض الطلاق وطلاق البعض وعتق البعض وإرقاق البعض. ضابط: لا يزيد البعض على الكل إلا في مسألة واحدة وهي: إذا قال: أنت علي كظهر أمي فإنه صريح, ولو قال: أنت علي كأمي لم يكن صريحا.
من فروعها: لو أكل المالك طعامه المغصوب جاهلا به, فلا ضمان على الغاصب في الأظهر. وكذا لو قدمه الغاصب للمالك على أنه ضيافة فأكله, فإن الغاصب يبرأ. ولو حفر بئرا فرداه فيها آخر أو أمسكه, فقتله آخر, أو ألقاه من شاهق فتلقاه آخر فقده, فالقصاص على المردي والقاتل والقاد فقط. تنبيه: يستثنى من القاعدة صور: منها: إذا غصب شاة, وأمر قصابا بذبحها, وهو جاهل بالحال, فقرار الضمان على الغاصب قطعا, قاله في الروضة. ومنها: إذا استأجره لحمل طعام فسلمه زائدا, فحمله المؤجر جاهلا, فتلفت, الدابة, ضمنها المستأجر في الأصح. ومنها: إذا أفتاه أهل للفتوى بإتلاف ثم تبين خطؤه, فالضمان على المفتي. ومنها: قتل الجلاد بأمر الإمام ظلما وهو جاهل, فالضمان على الإمام. ومنها: وقف ضيعة على قوم, فصرفت غلتها إليهم, فخرجت مستحقة, ضمن الواقف, لتغريره.
وهي عشرون قاعدة: قولان: ويقال: وجهان. قال في شرح المهذب: ولعلهما مستنبطان من كلام الشافعي, فيصح تسميتهما قولين ووجهين. والترجيح فيهما مختلف في الفروع المبنية عليهما. منها: لو نوى بالجمعة الظهر المقصورة. قال صاحب التقريب: إن قلنا: هي صلاة على حيالها, لم يصح: بل لا بد من نية الجمعة, وإن قلنا: ظهر مقصورة; فوجهان: أحدهما: تصح جمعته; لأنه نوى الصلاة على حقيقتها. والثاني: لا; لأن مقصود النيات التمييز, فوجب التمييز بما يخص الجمعة. ولو نوى الجمعة, فإن قلنا: صلاة مستقلة أجزأته, وإن قلنا: ظهر مقصورة, فهل يشترط نية القصر؟ فيه وجهان. الصحيح: لا, انتهى. والأصح في هذا الفرع أنها صلاة مستقلة. ومنها: لو اقتدى مسافر في الظهر بمن يصلي الجمعة, فإن قلنا: ظهر مقصورة فله القصر, وإلا لزمه الإتمام, وهو الأصح. ومنها: هل له جمع العصر إليها, لو صلاها وهو مسافر؟ قال العلائي: يحتمل تخريجه على هذا الأصل. فإن قلنا: صلاة مستقلة, لم يجز, وإلا جاز. قلت: ينبغي أن يكون الأصح: الجواز. ومنها: إذا خرج الوقت فيها, فهل يتمونها ظهرا, بناء, أو يلزم الاستئناف؟ قولان. قال الرافعي: مبنيان على الخلاف, في أن الجمعة ظهر مقصورة, أو صلاة على حيالها. إن قلنا: بالأول, جاز البناء, وإلا فلا, والأصح جواز البناء. فقد رجح في هذا الفرع أنها ظهر مقصورة. ومنها: لو صلوا الجمعة خلف مسافر, نوى الظهر قاصرا, فإن قلنا: هي ظهر مقصورة, صحت قطعا, وإن قلنا: صلاة مستقلة, جرى في الصحة خلاف.
إذا قلنا بالصحة, هل هي صلاة جماعة أو انفراد؟ وجهان. والترجيح مختلف; فرجح الأول في فروع: منها: لو كان في الجمعة, وتم العدد بغيره, إن قلنا: صلاتهم جماعة صحت, وإلا فلا. والأصح الصحة. ومنها: حصول فضيلة الجماعة, والأصح: تحصل. ومنها: لو سها, أو سهوا ثم علموا حدثه قبل الفراغ, وفارقوه. إن قلنا: صلاتهم جماعة سجدوا لسهو الإمام لا لسهوهم, وإلا فبالعكس. والأصح: الأول. ورجح الثاني في فروع: منها: إذا أدركه المسبوق في الركوع, إن قلنا: صلاة جماعة, حسبت له الركعة وإلا فلا. والصحيح: عدم الحسبان.
فيه قولان. والترجيح مختلف, فرجح الأول في فروع: منها إذا أحرم بفرض فأقيمت جماعة, فسلم من ركعتين, ليدركها, فالأصح: صحتها نفلا. ومنها: إذا أحرم بالفرض قبل وقته جاهلا, فالأصح: الانعقاد نفلا. ومنها: إذا أتى بتكبيرة الإحرام, أو بعضها في الركوع جاهلا فالأصح: الانعقاد نفلا. ورجح الثاني في الصورتين إذا كان عالما, وفيما إذا قلب فرضه إلى فرض آخر, أو إلى نفل بلا سبب. وفيما إذا وجد المصلي قاعدا خفة في صلاته, وقدر على القيام, فلم يقم, وفيما إذا أحرم القادر على القيام بالفرض قاعدا.
قولان: والترجيح مختلف في الفروع: فمنها: نذر الصلاة, والأصح فيه الأول; فيلزمه ركعتان. ولا يجوز القعود مع القدرة ولا فعلهما على الراحلة, ولا يجمع بينها وبين فرض, أو نذر آخر بتيمم. ولو نذر بعض ركعة, أو سجدة: لم ينعقد نذره, على الأصح, في الجميع. ومنها: نذر الصوم, والأصح فيه: الأول. فيجب التثبيت, ولا يجزي إمساك بعض يوم, ولا ينعقد نذر بعض يوم. ومنها: إذا نذر الخطبة في الاستسقاء, ونحوه, والأصح فيها: الأول, حتى يجب فيها القيام عند القدرة. ومنها: نذر أن يكسو يتيما, والأصح فيه: الأول, فلا يخرج عن نذره بيتيم ذمي. ومنها: نذر الأضحية, والأصح فيها: الأول فيشترط فيها السن, والسلامة من العيوب. ومنها: نذر الهدي, ولم يسم شيئا, والأصح فيه: الأول, فلا يجزئ إلا ما يجزئ في الهدي الشرعي, ويجب إيصاله إلى الحرم. ومنها: الحج, والأصح فيه: الأول, فلو نذره معضوب, لم يجز أن يستنيب صبيا أو عبدا, أو سفيها بعد الحجر, لم يجز للولي منعه. ومنها: نذر إتيان المسجد الحرام, والأصح فيه: الأول, فلزم إتيانه بحج, أو عمرة. ومنها: الأكل من المنذورة, والأصح فيه: أنه إن كان في معينة, فله الأكل, أو في الذمة فلا. ومنها: العتق, والأصح فيه: الثاني, فيجزئ عتق كافر, ومعيب. ومنها: لو نذر أن يصلي ركعتين, فصلى أربعا بتسليمة بتشهد, أو تشهدين, والأصح: فيه: الثاني, فيجزيه. ومنها: لو نذر أربع ركعات, فأداها بتسليمتين, والأصح فيه: الثاني, فتجزيه. قال في زوائد الروضة: والفرق بينهما وبين سائر المسائل المخرجة على الأصل غلبة وقوع الصلاة, وزيادة فضلها. ومنها: نذر القربات التي لم توضع لتكون عبادة, وإنما هي أعمال, وأخلاق مستحسنة, رغب الشرع فيها, لعموم فائدتها, كعيادة المريض, وإفشاء السلام, وزيارة القادمين, وتشميت العاطس, وتشييع الجنائز, والأصح فيها: الثاني, فتلزم بالنذر, وعلى مقابله: لا تلزم لأن هذه الأمور لا يجب جنسها بالشرع. ومنها: لو نذر صوم يوم معين, والأصح فيه الثاني, فلا يثبت له خواص رمضان من الكفارة بالجماع فيه, ووجوب الإمساك لو أفطر فيه, وعدم قبول صوم آخر من قضاء, أو كفارة, بل لو صامه عن قضاء أو كفارة: صح. وفي التهذيب وجه: أنه لا ينعقد, كأيام رمضان. ومنها: نذر الصلاة قاعدا, الأصح فيه الثاني: فلا يلزمه القيام عند القدرة: قال الإمام: وقد جزم الأصحاب فيما لو قال: علي أن أصلي ركعة واحدة بأنه لا يلزمه إلا ركعة, ولم يخرجوه على الخلاف, وتكلفوا بينهما فرقا. قال ولا فرق, فيجب تنزيله, على الخلاف. ومثله: لو أصبح ممسكا, فنذر الصوم يومه ففي لزوم الوفاء قولان بناء على الأصل المذكور, فإنه بالإضافة إلى واجب الشرع بمنزلة الركعة بالإضافة إلى أقل واجب الصلاة. قال الإمام: والذي أراه اللزوم, وأقره الشيخان, فعلى هذا يكون المصحح فيه الثاني ومنها: إذا نذر صوم الدهر فلزمته كفارة, والأصح فيه: الثاني. فيصوم عنها ويفدي عن النذر وعلى الآخر: لا. بل هو كالعاجز عن جميع الخصال. ومما يصلح أن يعد من فروع القاعدة: لو نذر الطواف لم يجزه إلا سبعة أشواط, ولا يكفي طوفة واحدة, وإن كان يجوز التطوع بها كما ذكر في الخادم: تنزيلا لها منزلة الركعة لا السجدة منها. ومما سلك بالنذر فيه مسلك الجائز: الطواف المنذور, فإنه تجب فيه النية, كما تجب في النفل, ولا تجب في الفرض لشمول نية الحج والعمرة له, وهذا المعنى منتف في النفل والنذر ولو نذر صلاة: لم يؤذن لها, ولا يقيم. ولم يحكوا فيه خلافا, وكأن السبب فيه أن الأذان حق الوقت على الجديد, وحق المكتوبة على القديم, وحق الجماعة على رأيه, في الإملاء والثلاثة منتفية في المنذورة. على أن صاحب الذخائر قال: إن المنذورة يؤذن لها ويقيم إذا قلنا: سلك بالمنذور واجب الشرع لكن قال في شرح المهذب: إنه غلط منه وأن الأصحاب اتفقوا على خلافه, وخرج النذر عن الفرض والنفل معا, في صورة, وهي: ما إذا نذر القراءة, فإنه تجب نيتها, كما نقله القمولي في الجواهر, مع أن قراءة النفل لا نية لها, وكذا القراءة المفروضة في الصلاة.
خلاف: والترجيح مختلف في الفروع: فمنها: إذا قال: اشتريت منك ثوبا, صفته كذا بهذه الدراهم. فقال: بعتك; فرجح الشيخان: أنه ينعقد بيعا, اعتبارا باللفظ, والثاني ورجحه السبكي سلما, اعتبارا بالمعنى ومنها: إذا وهب بشرط الثواب, فهل يكون بيعا اعتبارا بالمعنى, أو هبة اعتبارا باللفظ؟ الأصح الأول. ومنها: بعتك بلا ثمن, أو لا ثمن لي عليك فقال: اشتريت وقبضه, فليس بيعا, وفي انعقاده هبة قولا تعارض اللفظ, والمعنى. ومنها: إذا قال: بعتك, ولم يذكر ثمنا, فإن راعينا المعنى انعقد هبة, أو اللفظ, فهو بيع فاسد. ومنها: إذا قال: بعتك: إن شئت, إن نظرنا إلى المعنى صح, فإنه لو لم يشأ لم يشتر, وهو الأصح, وإن نظرنا إلى لفظ التعليق بطل. ومنها: لو قال أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد, فليس بسلم قطعا, ولا ينعقد بيعا على الأظهر. لاختلال اللفظ, والثاني: نعم, نظرا إلى المعنى. ومنها: إذا قال لمن عليه الدين: وهبته منك, ففي اشتراط القبول وجهان: أحدهما: يشترط اعتبارا بلفظ الهبة. والثاني: لا اعتبارا بمعنى الإبراء وصححه الرافعي في كتاب الصداق. ومنها: لو صالحه من ألف في الذمة على خمسمائة في الذمة, صح وفي اشتراط القبول وجهان. قال الرافعي: الأظهر اشتراطه. قيل وقد يقال: إنه مخالف لما صححه في الهبة, وليس كذلك فقد قال السبكي, إن اعتبرنا اللفظ اشترط القبول في الهبة والصلح, وإن اعتبرنا المعنى اشترط في الهبة دون الصلح. ومنها: إذا قال: أعتق عبدك عني بألف هل هو بيع أو عتق بعوض؟ وجهان. فائدتهما إذا قال: أنت حر غدا على ألف, إن قلنا: بيع فسد, ولا تجب قيمة العبد, وإن قلنا عتق بعوض صح ووجب المسمى, ذكرها الهروي وشريح في أدب القضاء. ومنها: إذا قال خالعتك ولم يذكر عوضا, قال الهروي فيه قولان بناء على القاعدة أحدهما: لا شيء. والثاني: خلع فاسد يوجب مهر المثل, وهو المصحح في المنهاج, على كلام فيه سيأتي في مبحث التصريح والكناية. ومنها: لو قال: خذ هذه الألف مضاربة, ففي قول إبضاع لا يجب فيه شيء, وفي آخر مضاربة فاسدة توجب المثل. ومنها: الرجعة بلفظ النكاح, فيها خلاف خرجه الهروي على القاعدة والأصح صحتها به. ومنها: لو باع المبيع للبائع قبل قبضه بمثل الثمن الأول, فهو إقالة بلفظ البيع, ذكره صاحب التتمة وخرجه السبكي على القاعدة. قال: ثم رأيت التخريج للقاضي حسين. قال: إن اعتبرنا اللفظ لم يصح, وإن اعتبرنا المعنى فإقالة. ومنها: إذا قال: استأجرتك لتتعهد نخلي بكذا من ثمرتها, فالأصح أنه إجارة فاسدة. نظرا إلى اللفظ وعدم وجود شرط الإجارة, والثاني أنه يصح مساقاة, نظرا إلى المعنى ومنها: لو تعاقدا في الإجارة بلفظ المساقاة فقال: ساقيتك على هذه النخيل مدة كذا بدراهم معلومة, فالأصح أنه مساقاة فاسدة نظرا إلى اللفظ وعدم وجود شرط المساقاة, إذ من شرطها أن لا تكون بدراهم, والثاني: تصح إجارة نظرا إلى المعنى. ومنها: إذا عقد بلفظ الإجارة على عمل في الذمة, فالصحيح اعتبار قبض الأجرة في المجلس; لأن معناه معنى السلم, وقيل: لا, نظرا إلى لفظ الإجارة. ومنها: لو عقد الإجارة بلفظ البيع فقال: بعتك منفعة هذه الدار شهرا, فالأصح لا ينعقد نظرا إلى اللفظ. وقيل ينعقد نظرا إلى المعنى ومنها: إذا قال: قارضتك على أن كل الربح لك فالأصح أنه قراض فاسد رعاية للفظ, والثاني قراض صحيح رعاية للمعنى. وكذا لو قال: على أن كله لي, فهل هو قراض فاسد أو إبضاع؟ الأصح الأول. وكذا لو قال: أبضعتك على أن نصف الربح لك; فهل هو إبضاع, أو قراض؟ فيه الوجهان. ومنها: إذا وكله أن يطلق زوجته طلاقا منجزا وكانت قد دخلت الدار فقال لها: إن كنت دخلت الدار فأنت طالق فهل يقع الطلاق؟ فيه وجهان, لأنه منجز من حيث المعنى, معلق من حيث اللفظ. ومنها: إذا اشترى جارية بعشرين, وزعم أن الموكل أمره فأنكر, يتلطف الحاكم بالموكل ليبيعها له, فلو قال إن كنت أمرتك بعشرين فقد بعتكها بها, فالأصح الصحة نظرا إلى المعنى; لأنه مقتضى الشرع. والثاني لا, نظرا إلى صيغة التعليق. ومنها: إذا قال لعبد بعتك نفسك بكذا, صح, وعتق في الحال, ولزمه المال في ذمته نظرا للمعنى, وفي قول لا يصح نظرا إلى اللفظ. ومنها: إذا قال: إن أديت لي ألفا فأنت حر, فقيل: كتابة فاسدة, وقيل معاملة صحيحة. ومنها: إذا قصد بلفظ الإقالة البيع, فقيل يصح بيعا نظرا للمعنى, وقيل لا يصح نظرا إلى اختلال اللفظ.
ومنها: إذا قال ضمنت ما لك على فلان بشرط أنه بريء, ففي قول أنه ضمان فاسد نظرا إلى اللفظ وفي قول, حوالة بلفظ الضمان نظرا إلى المعنى والأصح الأول. ومنها: لو قال أحلتك بشرط أن لا أبرأ, ففيه القولان والأصح: فساده. ومنها: البيع من البائع قبل القبض, قيل يصح ويكون فسخا اعتبارا بالمعنى والأصح لا, نظرا إلى اللفظ. ومنها: إذا وقف على قبيلة غير منحصرة, كبني تميم مثلا, وأوصى لهم, فالأصح الصحة اعتبارا بالمعنى, ويكون المقصود الجهة لا الاستيعاب كالفقراء والمساكين. والثاني لا يصح اعتبارا باللفظ, فإنه تمليك لمجهول. ومنها: إذا قال: خذ هذا البعير ببعيرين, فهل يكون قرضا فاسدا نظرا إلى اللفظ أو بيعا نظرا إلى المعنى وجهان. ومنها لو ادعى الإبراء فشهد له شاهدان أنه وهبه ذلك, أو تصدق عليه, فهل يقبل نظرا إلى المعنى أو لا نظرا إلى اللفظ؟ وجهان. ومنها: هبة منافع الدار هل تصح وتكون إعارة نظرا إلى المعنى أو لا؟ وجهان حكاهما الرافعي في الهبة من غير ترجيح, ورجح البلقيني: أنه تمليك منافع الدار, وأنه لا يلزم إلا ما استهلك من المنافع. ومنها: لو قال: إذا دخلت الدار فأنت طالق, فهل هو حلف نظرا إلى المعنى; لأنه تعلق به منع أو لا, نظرا إلى اللفظ لكون "إذا" ليست من ألفاظه لما فيه من التأقيت بخلاف "إن" وجهان, الأصح الأول. ومنها: لو وقف على دابة فلان, فالأصح البطلان نظرا إلى اللفظ, والثاني يصح نظرا إلى المعنى ويصرف في علفها. فلو لم يكن لها مالك بأن كانت وقفا, فهل يبطل نظرا للفظ, أو يصح نظرا للمعنى, وهو الإنفاق عليها إذ هو من جملة القرب؟ وجهان, حكاهما ابن الوكيل.
قولان قال في شرح المهذب: والترجيح مختلف في الفروع. فمنها: هل للمعير الرجوع بعد قبض المرتهن؟ إن قلنا عارية: نعم أو ضمان: فلا وهو الأصح. ومنها: الأصح اشتراط معرفة المعير جنس الدين وقدره وصفته بناء على الضمان. والثاني: لا بناء على العارية. ومنها: هل له إجبار المستعير على فك الرهن إن قلنا له الرجوع فلا وإن قلنا لا فله ذلك على القول بالعارية, وكذا على القول بالضمان إن كان حالا بخلاف المؤجل, كمن ضمن دينا مؤجلا لا يطالب الأصيل بتعجيله لتبرأ ذمته. ومنها: إذا حل الدين وبيع فيه فإن قلنا عارية, رجع المالك بقيمته, أو ضمان, رجع بما بيع به سواء كان أقل أو أكثر, وهو الأصح. ومنها: لو تلف تحت يد المرتهن ضمنه الراهن على قول العارية, ولا شيء على قول الضمان لا على الراهن ولا على المرتهن. والأصح في هذا الفرع: أن الراهن يضمنه, كذا قال النووي: إنه المذهب فقد صحح هنا. قول العارية. ومنها: لو جنى فبيع في الجناية فعلى قول الضمان: لا شيء على الراهن: وعلى قول العارية: يضمن. ومنها: لو أعتقه المالك, فإن قلنا: ضمان فهو كإعتاق المرهون. قاله في التهذيب, وإن قلنا عارية: صح وكان رجوعا. ومنها: لو قال: ضمنت ما لك عليه في رقبة عبدي هذا. قال القاضي حسين: يصح ذلك على قول الضمان, ويكون كالإعارة للرهن.
تنبيه: عبر كثيرون بقولهم: هل هو ضمان أو عارية, وقال الإمام: العقد فيه شائبة من هذا. وشائبة من هذا. وليس القولان في تمحض كل منهما, بل هما في أن المغلب منهما ما هو فلذلك عبرت به, وكذا في القواعد الآتية.
قال في شرح المهذب: والترجيح مختلف في الفروع: فمنها: ثبوت الخيار فيها, الأصح: لا, بناء على أنها استيفاء, وقيل: نعم, بناء على أنها بيع. ومنها: لو اشترى عبدا بمائة, وأحال البائع بالثمن على رجل, ثم رد العبد بعيب, أو تحالف أو إقالة ونحوها, فالأظهر البطلان, بناء على أنها استيفاء. والثاني: لا, بناء على أنها بيع. ومنها: الثمن في مدة الخيار في جواز الحوالة به وعليه, وجهان: قال في التتمة: إن قلنا: استيفاء جاز, أو بيع: فلا كالتصرف في البيع في زمن الخيار, والأصح: الجواز. ومنها: لو احتال, بشرط أن يعطيه المحال عليه رهنا أو يقيم له ضامنا فوجهان, إن قلنا: بأنها بيع, جاز, أو استيفاء, فلا والأصح: الثاني. ومنها: لو أحال على من لا دين عليه برضاه, فالأصح: بطلانها, بناء على أنها بيع والثاني: يصح, بناء على أنها استيفاء. ومنها: في اشتراط رضى المحال عليه, إذا كان عليه دين: وجهان. إن قلنا: بيع, لم يشترط; لأنه حق المحيل, فلا يحتاج إلى رضى الغير, وإن قلنا: استيفاء اشترط, لتعذر إقراضه من غير رضاه. والأصح: عدم الاشتراط. ومنها: نجوم الكتابة في صحة الحوالة بها, وعليها أوجه. أحدهما: الصحة, بناء على أنها استيفاء. والثاني: المنع, بناء على أنها بيع. والأصح: وجه ثالث, وهو الصحة بها, لا عليها; لأن للمكاتب أن يقضي حقه باختياره, والحوالة عليه: تؤدي إلى إيجاب القضاء عليه بغير اختياره. وفي الوسيط: وجه بعكس هذا, والأوجه جارية في المسلم فيه. ومنها: قال المتولي: لو أحال من عليه الزكاة للساعي: جاز إن قلنا: استيفاء. وإن قلنا: بيع, فلا; لامتناع أخذ العوض عن الزكاة. ومنها: لو خرج المحال عليه مفلسا, وقد شرط يساره, فالأصح: لا رجوع له, بناء على أنها استيفاء, والثاني: نعم, بناء على أنها بيع. ومنها: لو قال رجل لمستحق الدين: احتل علي بدينك الذي في ذمة فلان, على أن تبرئه, فرضي واحتال, وأبرأ المدين, فقيل: يصح. وقيل: لا, بناء على أنها استيفاء إذ ليس للأصيل دين في ذمة المحال عليه, ذكره في السلسلة. ومنها: لو أحال أحد المتعاقدين الآخر في عقد الربا, وقبض في المجلس, فإن قلنا: استيفاء: جاز, أو بيع: فلا, والأصح المنع, كما نقله ألسبكي في تكملة شرح المهذب عن النص والأصحاب.
والترجيح مختلف في الفروع: فمنها: الإبراء مما يجهله المبرئ, والأصح فيه التمليك, فلا يصح. ومنها: إبراء المبهم. كقوله لمدينيه: أبرأت أحدكما. والأصح فيه التمليك, فلا يصح كما لو كان له في يد كل واحد عبد, فقال: ملكت أحدكما العبد الذي في يده, لا يصح. ومنها: تعليقه, والأصح فيه التمليك فلا يصح. ومنها: لو عرف المبرئ قدر الدين, ولم يعرفه المبرأ. والأصح فيه: الإسقاط. كما في الشرح الصغير, وأصل الروضة في الوكالة, فيصح. ومنها: اشتراط القبول, والأصح فيه الإسقاط, فلا يشترط. ومنها: ارتداده بالرد, والأصح فيه الإسقاط, فلا يصح. ومنها: لو كان لأبيه دين على رجل, فأبرأه منه, وهو لا يعلم موت الأب, فبان ميتا. فإن قلنا: إسقاط صح جزما, أو تمليك, ففيه الخلاف فيمن باع مال مورثه, ظانا حياته, فبان ميتا. ومنها: إذا وكل في الإبراء, فالأصح اشتراط علم الموكل بقدره, دون الوكيل بناء على أنه إسقاط, وعلى التمليك عكسه, كما لو قال: بع بما باع به فلان فرسه, فإنه يشترط لصحة البيع علم الوكيل, دون الموكل. ومنها: لو وكل المدين ليبرئ نفسه, صح على قول الإسقاط, وهو الأصح, وجزم به الغزالي, كما لو وكل العبد في العتق, والمرأة في طلاق نفسها. ولا يصح على قول التمليك, كما لو وكله ليبيع من نفسه. ومنها: لو أبرأ ابنه عن دينه, فليس له الرجوع على قول الإسقاط. وله, على التمليك: ذكره الرافعي. وقال النووي: ينبغي أن لا يكون له رجوع على القولين, كما لا يرجع إذا زال الملك عن الموهوب.
والترجيح مختلف في الفروع: فمنها: لو اشترى عبدا كافرا من كافر فأسلم, ثم أراد الإقالة, فإن قلنا: بيع; لم يجز, أو فسخ, جاز, كالرد بالعيب في الأصح. ومنها: الأصح عدم ثبوت الخيارين فيها, بناء على أنها فسخ. والثاني: نعم, بناء على أنها بيع. ومنها: الأصح لا يتجدد حق الشفعة, بناء على أنها فسخ, والثاني: نعم, بناء على أنها بيع. ومنها: إذا تقايلا في عقود الربا, يجب التقابض في المجلس, بناء على أنها بيع, ولا يجب, بناء على أنها فسخ, وهو الأصح. ومنها: تجوز الإقالة قبل القبض, إن قلنا: فسخ, وهو الأصح وإن قلنا: بيع فلا. ومنها: تجوز في السلم قبل القبض, إن قلنا فسخ, وهو الأصح. وإن قلنا: بيع فلا. ومنها: لو تقايلا بعد تلف المبيع جاز, إن قلنا: فسخ, وهو الأصح. ويرد مثل المبيع أو قيمته. وإن قلنا: بيع, فلا. ومنها: لو اشترى عبدين, فتلف أحدهما: جازت الإقالة في الباقي, ويستتبع التالف على قول الفسخ, وهو الأصح, وعلى مقابله: لا. ومنها: إذا تقايلا واستمر في يد المشتري. نفذ تصرف البائع فيه, على قول الفسخ وهو الأصح, ولا ينفذ على قول البيع. ومنها: لو تلف في يده بعد التقايل. انفسخت, إن كانت بيعا, وبقي البيع الأصلي بحاله وإن قلنا: فسخ ضمنه المشتري, كالمستام, وهو الأصح. ومنها: لو تعيب في يده غرم الأرش, على قول الفسخ, وهو الأصح: وعلى الآخر يتخير البائع بين أن يجيز, ولا أرش له, أو يفسخ ويأخذ الثمن. ومنها: لو استعمله بعد الإقالة, فإن قلنا: فسخ, فعليه الأجرة, وهو الأصح, أو بيع, فلا. ومنها: لو اطلع البائع على عيب حدث عند المشتري, فلا رد له, إن قلنا: فسخ وهو الأصح, وإن قلنا: بيع; فله الرد.
قولان. والترجيح مختلف في الفروع: فمنها: الأصح, لا يصح بيعه قبل قبضه, بناء على ضمان العقد. والثاني: يصح, بناء على ضمان اليد. ومنها: الأصح انفساخ الصداق إذا تلف, أو أتلفه الزوج, قبل قبضه, والرجوع إلى مهر المثل, بناء على ضمان العقد, والثاني: لا. ويلزم مثله, أو قيمته, بناء على ضمان اليد. ومنها: لو تلف بعضه, انفسخ فيه, لا في الباقي. بل لها الخيار فإن فسخت رجعت إلى مهر المثل, على قول ضمان العقد. وهو الأصح, وإلى قيمة العبدين على مقابله. وإن أجازت رجعت إلى حصة التالف من مهر المثل, على الأصح, وإلى قيمته على الآخر. ومنها: لو تعيب فلها الخيار على الصحيح وفي وجه: لا خيار على ضمان العقد. فإن فسخت رجعت إلى مهر المثل على الأصح والبدل على الآخر. وإن أجازت: فلا شيء لها على الأصح كالمبيع قبل القبض. وعلى ضمان اليد لها الأرش. ومنها: المنافع الثابتة في يده لا يضمنها على الأصح بناء على ضمان العقد. ويضمنها بناء على ضمان اليد. ومنها: لو زاد في يده زيادة منفصلة فللمرأة قطعا بناء على ضمان اليد, وعلى ضمان العقد وجهان: كالمبيع. ومنها: لو أصدقها نصابا, ولم تقبضه حتى حال الحول, وجبت عليها الزكاة في الأصح, كالمغصوب, ونحوه, وفي وجه: لا, بناء على ضمان العقد, كالمبيع قبل القبض. فقد صحح هنا قول ضمان اليد. ومنها: لو كان دينا, جاز الاعتياض عنه على الأصح, بناء على ضمان اليد, وعلى ضمان العقد لا يجوز, كالمسلم فيه. فهذه صورة أخرى صحح فيها قول ضمان اليد.
قال الرافعي: والتحقيق أنه لا يطلق ترجيح واحد منهما, لاختلاف الترجيح في فروعه. فمنها: لو وطئها في العدة وراجع, فالأصح: وجوب المهر, بناء على أنه ينقطع. ومنها: لو مات عن رجعية, فالأصح: أنها لا تغسله, والثاني: تغسله, كالزوجة. ومنها: لو خالعها, فالأصح: الصحة, بناء على أنها زوجه. ومنها: لو قال: نسائي, أو زوجاتي: طوالق, فالأصح: دخول الرجعية فيهن. تنبيهات: الأول: جزم بالأول, في تحريم الوطء والاستمتاعات كلها, والنظر, والخلوة, ووجوب استبرائها, لو كانت رقيقة واشتراها. وجزم بالثاني في الإرث, ولحوق الطلاق, وصحة الظهار والإيلاء, واللعان, ووجوب النفقة. الثاني: في أصل القاعدة قول ثالث, وهو الوقف, فإن لم يراجعها حتى انقضت العدة, تبينا انقطاع النكاح بالطلاق, وإن راجع, تبينا أنه لم ينقطع. ونظير ذلك: الأقوال في الملك زمن الخيار. الثالث: يعبر عن القاعدة بعبارة أخرى, فيقال: الرجعة, هل هي ابتداء النكاح أو استدامته؟ فصحح الأول فيما إذا طلق المولي في المدة, ثم راجع, فإنها تستأنف, ولا تبني. وصحح الثاني, في أن العبد يراجع بغير إذن سيده, وأنه لا يشترط فيها الإشهاد, وأنها تصح في الإحرام.
فيه خلاف. والترجيح مختلف, فرجح الأول في فروع: منها: إذا ظاهر من أربع نساء بكلمة واحدة, فقال: أنتن علي كظهر أمي, فإذا أمسكهن لزمه أربع كفارات, على الجديد, فإن الطلاق, لا يفرق فيه بين أن يطلقهن بكلمة, أو كلمات, والقديم: كفارة, تشبيها باليمين, كما لو حلف لا يكلم جماعة, لا يلزمه إلا كفارة واحدة. ونظير هذا: الخلاف فيمن قذف جماعة بكلمة واحدة, فيحد لكل واحد حدا في الأظهر والثاني حدا واحدا. ومنها: هل يصح بالخط؟ الأصح: نعم, كالطلاق, صرح به الماوردي, وأفهمه كلام الأصحاب, حيث قالوا: كل ما استقل به الشخص, فالخلاف فيه, كوقوع الطلاق بالخط, وجزم القاضي حسين بعدم الصحة في الظهار, كاليمين, فإنها لا تصح إلا باللفظ. ومنها: إذا كرر لفظ الظهار في امرأة واحدة على الاتصال, ونوى الاستئناف. فالجديد يلزمه بكل كفارة, كالطلاق. والثاني: كفارة واحدة, كاليمين. ولو تفاصلت, وقال: أردت التأكيد, فهل يقبل منه؟ الأصح: لا, تشبيها بالطلاق. والثاني: نعم, كاليمين. ورجح الثاني في فروع: منها: لو ظاهر مؤقتا, فالأصح الصحة مؤقتا كاليمين, والثاني: لا, كالطلاق ومنها: التوكيل فيه, والأصح المنع, كاليمين, والثاني: الجواز, كالطلاق. ومنها: لو ظاهر من إحدى زوجتيه, ثم قال للأخرى: أشركتك معها, ونوى الظهار, فقولان, أحدهما: يصير مظاهرا منها أيضا, كما لو طلقها, ثم قال للأخرى أشركتك معها. ونوى الطلاق, والثاني: لا, كاليمين.
فيه خلاف. رجح في المطلب: الأول, والبارزي في التمييز: الثاني. قال في الخادم: ولم يرجح الرافعي والنووي شيئا; لأنها عندهما من القواعد التي لا يطلق فيها الترجيح, لاختلاف الترجيح في فروعها: فمنها: صلاة الجنازة, الأصح تعيينها بالشروع, لما في الإعراض عنها من هتك حرمة الميت. ومنها: الجهاد, ولا خلاف أنه يتعين بالشروع. نعم جرى خلاف في صورة منه وهي: ما إذا بلغه رجوع من يتوقف غزوه على إذنه. والأصح: أنه تجب المصابرة, ولا يجوز الرجوع. ومنها: العلم, فمن اشتغل به وحصل منه طرفا وآنس منه الأهلية, هل يجوز له تركه أو يجب عليه الاستمرار؟ وجهان. الأصح: الأول: ووجه بأن كل مسألة مستقلة برأسها منقطعة عن غيرها. قال العلائي: مقتضى كلام الغزالي: أن الأصح فيما سوى القتال, وصلاة الجنازة من فروض الكفاية: أنها لا تتعين بالشروع, وينبغي أن يلحق بها غسل الميت وتجهيزه. قلت: صرح بما اقتضاه كلام الغزالي البارزي في التمييز. ولك أنت تبدل هذه القاعدة بقاعدة أعم منها, فتقول: فرض الكفاية, هل يعطى حكم فرض العين, أو حكم النفل؟ فيه خلاف, والترجيح مختلف في الفروع: فمنها: الجمع بينه وبين فرض آخر بتيمم. فيه وجهان. والأصح: الجواز. ومنها: صلاة الجنازة قاعدا مع القدرة. وعلى الراحلة. فيه خلاف. والأصح: المنع وفرق بأن القيام معظم أركانها, فلم يجز تركه مع القدرة, بخلاف الجمع بينها وبين غيرها بالتيمم. ومنها: هل يجبر عليه تاركه, حيث لم يتعين؟ فيه صور مختلفة, فالأصح الإجبار في صورة الولي والشاهد إذا دعي للأداء, مع وجود غيره, وعدمه فيما إذا دعي للتحمل. وفيما إذا امتنع من الخروج معها للتغريب, وفيما إذا طلب للقضاء, فامتنع.
فيه خلاف. والترجيح مختلف, فرجح الأول في فروع: منها: إذا طلق قبل الدخول, وقد زال ملكها عن الصداق وعاد, تعلق بالعين في الأصح. ومنها: إذا طلقت رجعيا. عاد حقها في الحضانة في الأصح. ومنها: إذا تخمر المرهون بعد القبض, ثم عاد خلا, يعود رهنا في الأصح. ومنها: إذا باع ما اشتراه, ثم علم به عيبا, ثم عاد إليه بغير رد: فله رده, في الأصح. ومنها: إذا خرج المعجل له الزكاة في أثناء الحول عن الاستحقاق, ثم عاد. تجزئ في الأصح. ومنها: إذا فاتته صلاة في السفر, ثم أقام, ثم سافر. يقصرها, في الأصح. ومنها: إذا زال ضوء إنسان, أو كلامه, أو سمعه, أو ذوقه, أو شمه, أو أفضاها ثم عاد. يسقط القصاص, والضمان, في الأصح. ورجح الثاني في فروع: منها: لو زال الموهوب عن ملك الفرع, ثم عاد, فلا رجوع للأصل في الأصح. ومنها: لو زال ملك المشتري, ثم عاد وهو مفلس, فلا رجوع للبائع في الأصح. ومنها: لو أعرض عن جلد ميتة, أو خمر, فتحول بيد غيره, فلا يعود الملك في الأصح. ومنها: لو رهن شاة, فماتت, فدبغ الجلد, لم يعد رهنا في الأصح. ومنها: لو جن قاض, أو خرج عن الأهلية, ثم عاد. لم تعد ولايته في الأصح. ومنها: لو قلع سن مثغور, أو قطع لسانه, أو أليته فنبتت, أو أوضحه; أو أجافه, فالتأمت. لم يسقط القصاص, والضمان في الأصح. ومنها: لو عادت الصفة المحلوف عليها, لم تعد اليمين في الأصح. ومنها: لو هزلت المغصوبة عند الغاصب, ثم سمنت. لم يجبر. ولم يسقط الضمان في الأصح. ومنها: إذا قلنا: للمقرض الرجوع في عين القرض, ما دام باقيا بحاله. فلو زال وعاد فهل يرجع في عينه؟ وجهان في الحاوي. قلت: ينبغي أن يكون الأصح: لا.
تنبيه: جزم بالأول في صور: منها: إذا اشترى معيبا وباعه, ثم علم العيب ورد عليه به, فله رده قطعا. ومنها: إذا فسق الناظر, ثم صار عدلا, وولايته بشرط الواقف منصوصا عليه. عادت ولايته, وإلا فلا. أفتى به النووي, ووافقه ابن الرفعة. وجزم بالثاني في صور: منها: إذا تغير الماء الكثير بنجاسة, ثم زال التغير. عاد طهورا, فلو عاد التغير بعد زواله والنجاسة غير جامدة, لم يعد التنجيس قطعا. قاله في شرح المهذب. ولو زال الملك عن العبد قبل هلال شوال, ثم ملكه بعد الغروب. لا تجب عليه فطرته قطعا. ولو سمع بينته ثم عزل قبل الحكم ثم عادت ولايته فلا بد من إعادتها قطعا. ولو قال: إن دخلت دار فلان ما دام فيها, فأنت طالق فتحول, ثم عاد إليها, لا يقع الطلاق قطعا; لأن إدامة المقام, التي انعقدت عليها اليمين قد انقطعت. وهذا عود جديد, وإدامته إقامة مستأنفة, نقله الرافعي. فرع: وقع في الفتاوى: أن رجلا وقف على امرأته ما دامت عزبا, يعني بعد وفاته. فتزوجت ثم عادت عزبا, فهل يعود الاستحقاق أو لا؟. وقد اختلف فيه مشايخنا. فأفتى شيخنا قاضي القضاة شرف الدين المناوي, وبعض الحنفية: بالعود. وأفتى شيخنا البلقيني, وكثير: بعدمه. وهو المتجه. ثم رأيت في تنزيه النواظر, في رياض الناظر للأسنوي ما نصه: الحكم المعلق على قوله: "ما دام كذا وكذا" ينقطع بزوال ذلك, وإن عاد. مثاله: إذا حلف لا يصطاد ما دام الأمير في البلد. فخرج الأمير, ثم عاد, فاصطاد الحالف فإنه لا يحنث; لأن الدوام, قد انقطع بخروجه, كذا نقله الرافعي. قال الأسنوي: وقياسه: أنه إذا وقف على زيد; ما دام فقيرا, فاستغنى, ثم افتقر لم يستحق شيئا.
فيه خلاف, والترجيح مختلف. ويعبر عن هذه القاعدة بعبارات: منها: ما قارب الشيء, هل يعطى حكمه؟ والمشرف على الزوال, هل يعطى حكم الزائل؟ والمتوقع, هل يجعل كالواقع؟. وفيها فروع: منها: إذا حلف ليأكلن هذا الرغيف غدا, فأتلفه قبل الغد, فهل يحنث في الحال أو حتى يجيء الغد؟ وجهان, أصحهما: الثاني. ومنها: لو كان القميص, بحيث تظهر منه العورة عند الركوع, ولا تظهر عند القيام فهل تنعقد صلاته ثم إذا ركع تبطل, أو لا تنعقد أصلا؟ وجهان, أصحهما: الأول. ونظيرها: لو لم يبق من مدة الخف ما يسع الصلاة, فأحرم بها, فهل تنعقد؟ فيه وجهان, الأصح: نعم. وفائدة الصحة في المسألتين: صحة الاقتداء به ثم مفارقته. وفي المسألة الأولى: صحتها إذا ألقى على عاتقه ثوبا قبل الركوع. قال صاحب المعين: وينبغي القطع بالصحة فيما إذا صلى على جنازة; إذ لا ركوع فيها. ومنها: من عليه عشرة أيام من رمضان, فلم يقضها حتى بقي من شعبان خمسة أيام فهل يجب فدية ما لا يسعه الوقت في الحال, أو لا يجب, حتى يدخل رمضان؟ فيه وجهان وشبههما الرافعي وغيره, بما إذا حلف ليشربن ماء هذا الكوز غدا, فانصب قبل الغد. قال السبكي: وفي هذا التشبيه نظر; لأن الصحيح فيما إذا انصب بنفسه. عدم الحنث. ونظيره هنا: إذا لم يزل عذره إلا ذلك الوقت. ولا شك أنه لا يجب عليه شيء. فيجب فرض المسألة فيما إذا كان التمكن سابقا, وحينئذ فنظيره: أن يصب هو الماء, فإنه يحنث, وفي وقت حنثه: الوجهان. قال الرافعي: الذي أورده ابن كج: أنه لا يحنث إلا عند مجيء الغد, وعلى قياسه هنا: لا يلزم إلا بعد مجيء رمضان. ومنها: لو أسلم فيما يعم وجوده عند المحل, فانقطع قبل الحلول, فهل يتنجز حكم الانقطاع. وهو ثبوت الخيار في الحال, أو يتأخر إلى المحل وجهان. أصحهما: الثاني. ومنها: لو نوى في الركعة الأولى الخروج من الصلاة في الثانية, أو علق الخروج بشيء يحتمل حصوله في الصلاة, فهل تبطل في الحال, أو حتى توجد الصفة؟ وجهان. أصحهما: الأول. ومنها: من عليه دين مؤجل يحل قبل رجوعه, فهل له السفر; إذ لا مطالبة في الحال أولا, إلا بإذن الدائن; لأنه يجب في غيبته؟ وجهان. أصحهما: الأول. ومنها: إذا استأجر امرأة أشرفت على الحيض لكنس المسجد. جاز, وإن ظن طروءه, وللقاضي حسين: احتمال بالمنع, كالسن الوجيعة, إذا احتمل زوال الألم. والفرق على الأصح: أن الكنس في الجملة جائز, والأصل عدم طروء الحيض. ومنها: هل العبرة في مكافأة القصاص بحال الجرح, أو الزهوق؟ ومنها: هل العبرة في الإقرار للوارث بكونه وارثا حال الإقرار, أو الموت؟ وجهان أصحهما: الثاني, كالوصية. ومنها: هل العبرة بالثلث الذي يتصرف فيه المريض بحال الوصية أو الموت؟ وجهان أصحهما: الثاني. ومقابله, قاسه على ما لو نذر التصدق بماله. ومنها: هل العبرة في الصلاة المقضية بحال الأداء, أو القضاء؟ وجهان يأتيان في بحثه. ومنها, هل العبرة في تعجيل الزكاة بحال الحول أو التعجيل. ومنها, هل العبرة في الكفارة المرتبة بحال الوجوب أو الأداء؟ قولان أصحهما: الثاني. ومنها: هل العبرة في طلاق السنة, أو البدعة بحال الوقوع أو التعليق؟ ومنها: تربية جرو الكلب لما يباح تربية الكبير له. ومنها: الجارية المبيعة, هل يجوز وطؤها بعد الترافع إلى مجلس الحكم قبل التحالف؟ وجهان, أصحهما: نعم, وبعد التحالف وجهان مرتبان, وأولى بالمنع. ومنها: لو حدث في المغصوب نقص يسري إلى التلف, بأن جعل الحنطة هريسة, فهل هو كالتالف أو لا؟ بل يرده مع أرش النقص؟ قولان أصحهما: الأول. تنبيه: جزم باعتبار الحال في مسائل: منها: إذا وهب للطفل من يعتق عليه وهو معسر وجب على الولي قبوله, لأنه لا يلزمه نفقته في الحال, فكان قبول هذه الهبة تحصيل خير, وهو العتق بلا ضرر, ولا ينظر إلى ما لعله يتوقع من حصول يسار للصبي, وإعسار لهذا القريب; لأنه غير متحقق أنه آيل. وجزم باعتبار المآل في مسائل: منها: بيع الجحش الصغير جائز, وإن لم ينتفع به حالا لتوقع النفع به مآلا. ومنها: جواز التيمم لمن معه ماء يحتاج إلى شربه في المآل, لا في الحال. ومنها: المساقاة على ما لا يثمر في السنة, ويثمر بعدها جائز بخلاف إجارة الجحش الصغير; لأن موضوع الإجارة تعجيل المنفعة, ولا كذلك المساقاة, إذ تأخر الثمار محتمل فيها. كذا فرق الرافعي. قال ابن السبكي: وبه يظهر لك أن المنفعة المشترطة في البيع غير المشترطة في الإجارة, إذ تلك أعم من كونها حالا أو مآلا, ولا كذلك الإجارة. تنبيه: يلتحق بهذه القاعدة قاعدة "تنزيل الاكتساب منزلة المال الحاضر" وفيها فروع: منها: في الفقر والمسكنة, قطعوا بأن القادر على الكسب كواجد المال. ومنها: في سهم الغارمين, هل ينزل الاكتساب منزلة المال؟ فيه وجهان, الأشبه: لا وفارق الفقير والمسكين بأن الحاجة تتجدد كل وقت, والكسب يتجدد كذلك, والغارم محتاج إلى وفاء دينه الآن, وكسبه متوقع في المستقبل. ومنها: المكاتب إذا كان كسوبا, هل يعطى من الزكاة؟ فيه وجهان. الأصح: نعم, كالغارم. ومنها: إذا حجر عليه بالفلس, أنفق على من تلزمه نفقته من ماله إلى أن يقسم, إلا أن يكون كسوبا. ومنها: إذا قسم ماله بين غرمائه وبقي عليه شيء وكان كسوبا, لم يجب عليه الكسب لوفاء الدين. قال الفراوي: إلا أن يكون الدين لزمه بسبب هو عاص به, كإتلاف مال إنسان عدوانا, فإنه يجب عليه أن يكتسب لوفائه; لأن التوبة منه واجبة ومن شروطها: إيصال الحق إلى مستحقه فيلزمه التوصل إليه, حكاه عنه ابن الصلاح في فوائد رحلته ومنها: من له أصل وفرع ولا مال له, هل يلزمه الاكتساب للإنفاق عليهما؟ وجهان, أحدهما: لا, كما لا يجب لوفاء الدين, والأصح: نعم; لأنه يلزمه إحياء نفسه بالكسب, فكذلك إحياء بعضه. وفي التتمة: أن محل الخلاف بالنسبة إلى نفقة الأصول, أما بالنسبة إلى نفقة الفروع فيجب الاكتساب قطعا; لأن نفقة الأصول سبيلها سبيل المواساة, فلا تكلف أن يكتسب ليصير من أهل المواساة, ونفقة الفروع بسبب حصول الاستمتاع, فألحقت بالنفقة الواجبة للاستمتاع وهي نفقة الزوجة. قال الرافعي: هذا ذهاب إلى القطع بوجوب الاكتساب لنفقة الزوجة; وهو الظاهر لكن في كلام الإمام وغيره: أن فيها وجهين مرتبين على وجوب الاكتساب لنفقة القريب, وهي أولى بالمنع; لالتحاقها بالديون. ومنها: المتفق عليه من أصل وفرع لو كان قادرا على الاكتساب فهل يكلف به, ولا تجب نفقته؟ أقوال. أصحها: لا يكلفها الأصل; لعظم حرمة الأبوة فتجب نفقته, بخلاف الفرع. والثاني: يكلفان; لأن القادر على الكسب مستغن عن أن يحمل غيره كله. والثالث: لا يكلفان, وتجب نفقتهما إذ يقبح أن يكلف الإنسان قريبه الكسب مع اتساع ماله. ومنها: إذا كان الأب قادرا على كسب مهر حرة, أو ثمن سرية لا يجب إعفافه. وينزل منزلة المال الحاضر. قاله الشيخ أبو علي. قال الرافعي: وينبغي أن يجيء فيه الخلاف المذكور في النفقة. ومنها: لو أجر السفيه نفسه, هل يبطل, كبيعه شيئا من أمواله؟. حكى القاضي حسين العبادي فيه وجهين وفي الحاوي: إن آجر نفسه فيما هو مقصود من عمله, مثل أن يكون صانعا, وعمله مقصود في كسبه لم يصح, ويتولى العقد عليه, وإن كان غير مقصود, مثل أن يؤجر نفسه في حج, أو وكالة في عمل صح; لأنه إذا جاز أن يتطوع عن غيره بعمله, فأولى أن يجوز بعوض, كما قالوا: يصح خلعه; لأن له أن يطلق مجانا, فبالعوض أولى انتهى. تنبيه: وأعم من هذه القاعدة: قاعدة "ما قارب الشيء هل يعطى حكمه؟" وفيه فروع: منها غير ما تقدم الديون المساوية لمال المفلس: هل توجب الحجر عليه؟ وجهان, الأصح: لا وفي المقاربة للمساواة الوجهان, وأولى بالمنع. ومنها: الدم الذي تراه الحامل حال الطلق, ليس بنفاس على الصحيح. ومنها: لا يملك المكاتب ما في يده على الأصح, ووجه مقابله أنه قارب العتق.
فيه خلاف. والترجيح مختلف في الفروع: فمنها: إذا تحرم بالفرض, فبان عدم دخول الوقت, بطل خصوص كونها ظهرا مثلا. وتبقى نفلا في الأصح. ومنها: لو نوى بوضوئه الطواف وهو بغير مكة فالأصح: الصحة, إلغاء للصفة. ومنها: لو أحرم بالحج في غير أشهره بطل, وبقي أصل الإحرام, فينعقد عمرة في الأصح. ومنها: لو علق الوكالة بشرط فسدت, وجاز له التصرف, لعموم الإذن في الأصح. ومنها: لو تيمم لفرض قبل وقته: فالأصح البطلان, وعدم استباحة النفل به. ومنها: لو وجد القاعد خفة في أثناء الصلاة, فلم يقم بطلت. ولا يتم نفلا في الأظهر. تنبيه: جزم ببقائه في صور: منها: إذا أعتق معيبا عن كفارة, بطل كونه كفارة, وعتق جزما. ومنها: لو أخرج زكاة ماله الغائب, فبان تالفا, وقعت تطوعا قطعا. وجزم بعدمه في صور: منها: لو وكله ببيع فاسد, فليس له البيع قطعا, لا صحيحا; لأنه لم يأذن فيه, ولا فاسدا; لعدم إذن الشرع فيه. ومنها: لو أحرم بصلاة الكسوف, ثم تبين الانجلاء قبل تحرمه بها. لم تنعقد نفلا قطعا, لعدم نفل على هيئتها, حتى يندرج في نيته. ومنها: لو أشار إلى ظبية. وقال: هذه أضحية لغا ولا يلزمه التصدق بها قطعا, قاله في شرح المهذب.
فيه خلاف: والترجيح مختلف في الفروع: فمنها: بيع الحامل إلا حملها, فيه قولان. أظهرهما: لا يصح, بناء على أنه مجهول. واستثناء المجهول من المعلوم يصير الكل مجهولا. ومنها: بيع الحامل بحر, وفيه وجهان. أصحهما: البطلان; لأنه مستثنى شرعا, وهو مجهول. ومنها: لو قال: بعتك الجارية أو الدابة أو حملها أو بحملها أو مع حملها, وفيه وجهان. الأصح: البطلان أيضا لما تقدم. ومنها: لو باعها بشرط أنها حامل, ففيه قولان: أحدهما البطلان; لأنه شرط معها شيئا مجهولا وأصحهما: الصحة بناء على أنه معلوم; لأن الشارع أوجب الحوامل في الدية. ومنها: هل للبائع حبس الولد إلى استيفاء الثمن؟ وهل يسقط من الثمن حصته, لو تلف قبل القبض؟ وهل للمشتري بيع الولد قبل القبض؟ الأصح نعم في الأوليين, ولا في الثالثة, بناء على أنه يعلم, ويقابله قسط من الثمن. ومنها: لو حملت أمة الكافر الكافرة من كافر فأسلم فالحمل مسلم, فيحتمل أن يؤمر مالك الأمة الكافرة بإزالة ملكه عن الأم إن قلنا, الحمل يعطى حكم المعلوم, قاله في البحر ومنها: الإجازة للحمل والأظهر كما قال العراقي الجواز; بناء على أنه معلوم. تنبيه: جزم بإعطائه حكم المجهول فيما إذا بيع وحده, فلا يصح قطعا وبإعطائه حكم المعلوم في الوصية له, أو الوقف عليه فيصحان قطعا.
فيه خلاف, والترجيح مختلف في الفروع: فمنها: مس الذكر المبان فيه وجهان, أصحهما أنه ينقض; لأنه يسمى ذكرا. ومنها: لمس العضو المبان من المرأة, فيه وجهان: أصحهما عدم النقض; لأنه لا يسمى امرأة, والنقض منوط بلمس المرأة. ومنها: النظر إلى العضو المبان من الأجنبية, وفيه وجهان أصحهما: التحريم. ووجه مقابله: ندور كونه محل فتنة, والخلاف جار في قلامة الظفر. ومنها: لو حلف لا يأكل اللحم, فأكل الميتة ففيه وجهان, أصحهما عند النووي: عدم الحنث. ويجريان فيما لو أكل ما لا يؤكل, كذئب وحمار. ومنها: الاكتساب النادر, كالوصية واللقطة والهبة: هل تدخل في المهايأة في العبد المشترك, وجهان: الأصح نعم. ومنها: جماع الميتة يوجب عليه الغسل, والكفارة عن إفساد الصوم والحج, ولا يوجب الحد, ولا إعادة غسلها, على الأصح فيهما, ولا المهر. ومنها: يجزئ الحجر في المذي والودي على الأصح. ومنها: يبقى الخيار للمتبايعين إذا داما أياما على الأصح. ومنها: في جريان الربا في الفلوس إذا راجت رواج النقود. وجهان أصحهما: لا. ومنها: ما يتسارع إليه الفساد في شرط الخيار. فيه وجهان أصحهما لا يجوز. تنبيه: جزم بالأول في صور: منها: من خلق له وجهان لم يتميز الزائد منهما, يجب غسلهما قطعا. ومن خلقت بلا بكارة, لها حكم الأبكار, قطعا. ومن أتت بولد لستة أشهر ولحظتين من الوطء يلحق قطعا, وإن كان نادرا. وجزم بالثاني في صور: منها: الأصبع الزائدة, لا تلحق بالأصلية في الدية قطعا, وكذا سائر الأعضاء.
فيه خلاف, والترجيح مختلف في الفروع: فمنها: من معه إناءان, أحدهما نجس, وهو قادر على يقين الطهارة بكونه على البحر, أو عنده ثالث طاهر, أو يقدر على خلطهما وهما قلتان. والأصح: أن له الاجتهاد. ومنها: لو كان معه ثوبان, أحدهما نجس, وهو قادر على طاهر بيقين, والأصح أن له الاجتهاد. ومنها: من شك في دخول الوقت, وهو قادر على تمكين الوقت, أو الخروج من البيت المظلم لرؤية الشمس, والأصح أن له الاجتهاد. ومنها: الصلاة إلى الحجر, الأصح: عدم صحتها إلى القدر الذي ورد فيه أنه من البيت. وسببه: اختلاف الروايات, ففي لفظ. "الحجر من البيت" وفي لفظ."سبعة أذرع"وفي آخر"ستة" وفي آخر."خمسة" والكل في صحيح مسلم, فعدلنا عنه إلى اليقين, وهو الكعبة. وذكر من فروعها أيضا: الاجتهاد بحضرته صلى الله عليه وسلم وفي زمانه, والأصح جوازه. تنبيه: جزم بالمنع فيما إذا وجد المجتهد نصا, فلا يعدل عنه إلى الاجتهاد جزما, وفي المكي لا يجتهد في القبلة جزما. وفرق بين القبلة والأواني: بأن في الإعراض عن الاجتهاد في الآنية إضاعة مال, وبأن القبلة في جهة واحدة, فطلبها مع القدرة عليها في غيرها عبث, والماء جهاته متعددة. وجزم بالجواز, فيمن اشتبه عليه لبن طاهر ومتنجس, ومعه ثالث طاهر بيقين, ولا اضطرار, فإنه مجتهد بلا خلاف, نقله في شرح المهذب.
فيه خلاف, والترجيح مختلف في الفروع: فمنها: طريان الكثرة على الاستعمال والشفاء على المستحاضة في أثناء الصلاة والردة على الإحرام, وقصد المعصية على سفر الطاعة وعكسه, والإحرام على ملك الصيد وأحد العيوب على الزوجة, والحلول على دين المفلس الذي كان مؤجلا, وملك المكاتب زوجة سيده, والوقف على الزوجة, أعني إذا وقفت زوجته عليه. والأصح في الكل: أن الطارئ كالمقارن, فيحكم للماء بالطهورية وللصلاة والإحرام بالإبطال, وللمسافر بعدم الترخص في الأولى, وبالترخص في الثانية, وبإزالة الملك عن الصيد, وبإثبات الخيار للزوج, وبرجوع البائع في عين ماله, وبانفساخ النكاح في شراء المكاتب والموقوفة, كما لا يجوز له نكاح من وقفت عليه ابتداء. ومنها: طريان القدرة على الماء في أثناء الصلاة, ونية التجارة بعد الشراء, وملك الابن على زوجة الأب, والعتق على من نكح جارية ولده, واليسار ونكاح الحرة على حر نكح أمة, وملك الزوجة لزوجها بعد الدخول قبل قبض المهر, وملك الإنسان عبدا له في ذمته دين, والإحرام على الوكيل في النكاح, والاسترقاق على حربي استأجره مسلم, والعتق على عبد آجره سيده مدة. والأصح في الكل أن الطارئ ليس كالمقارن, فلا تبطل الصلاة ولا تجب الزكاة, ولا نفسخ النكاح في الصور الأربع, ولا يسقط المهر والدين عن ذمة العبد, ولا تبطل الوكالة, ولا تنفسخ الإجارة في الصورتين. تنبيه: جزم بأن الطارئ كالمقارن, في صور: منها: طريان الكثرة على الماء النجس, والرضاع المحرم, والردة على النكاح, ووطء الأب أو الابن أو الأم أو البنت بشبهة, وملك الزوج الزوجة أو عكسه, والحدث العمد على الصلاة, ونية القنية على عروض التجارة وأحد العيوب على الزوج. وجزم بخلافه في صور: منها: طريان الإحرام, وعدة الشبهة, وأمن العنت على النكاح, والإسلام على السبي, فلا يزيل الملك, ووجدان الرقبة في أثناء الصوم, والإباق, وموجب الفساد على الرهن, والإغماء على الاعتكاف, والإسلام على عبد الكافر فلا يزيل الملك, بل يؤمر بإزالته, ودخول وقت الكراهة على التيمم لا يبطله بلا خلاف; ولو تيمم فيه للنفل لم يصح. خاتمة: يعبر عن أحد شقي هذه القاعدة بقاعدة: يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء. ولهم قاعدة عكس هذه, وهي: يغتفر في الابتداء ما لا يغتفر في الدوام. ومن فروعها: إذا طلع الفجر وهو مجامع, فنزع في الحال صح صومه. ولو وقع مثل ذلك في أثناء الصوم أبطله. ومنها: لو أحرم مجامعا بحج أو عمرة, فأوجه: أحدها: ينعقد صحيحا. وبه جزم الرافعي في باب الإحرام, وأقره في الروضة. فإن نزع في الحال استمر, وإلا فسد نسكه, وعليه البدنة والقضاء والمضي في الفاسد. فعلى هذا اغتفر الجماع في ابتداء الإحرام. ولم يغتفر في أثنائه. والوجه الثاني: لا ينعقد أصلا وهو الأصح في زوائد الروضة. والثالث, وهو الأصح ينعقد فاسدا, فإن نزع في الحال لم تجب البدنة, وإن مكث وجبت. والفرق بينه وبين الصوم أن طلوع الفجر ليس من فعله بخلاف إنشاء الإحرام. ومنها: الجنون, لا يمنع ابتداء الأجل, فيجوز لوليه أن يشتري له شيئا بثمن مؤجل, ويمنع دوامه على قول, صححه في الروضة فيحل عليه الدين المؤجل إذا جن. ولكن المعتمد خلافه. ومنها وهي أجل مما تقدم : الفطرة, لا يباع فيها المسكن والخادم. قال الأصحاب: هذا في الابتداء, فلو ثبتت الفطرة في ذمة إنسان بعنا خادمه ومسكنه فيها; لأنها بعد الثبوت التحقت بالديون. ومنها: إذا مات للمحرم قريب وفي ملكه صيد, ورثه على الأصح, ثم يزول ملكه عنه على الفور. ومنها: الوصية بملك الغير, الراجح صحتها حتى إذا ملكه بعد ذلك أخذه الموصى له. ولو أوصى بما يملكه ثم أزال الملك فيه, بطلت الوصية, كذا جزموا به. قال الأسنوي: وكان القياس أن تبقى الوصية بحالها, فإن عاد إلى ملكه أعطيناه الموصى له, كما لو لم يكن في ملكه حال الوصية, بل الصحة هنا أولى. انتهى. وعلى ما جزموا به, قد اغتفر في الابتداء ما لم يغتفر في الدوام. ومنها: إذا حلف بالطلاق لا يجامع زوجته, لم يمنع من إيلاج الحشفة على الصحيح, ويمنع من الاستمرار لأنها صارت أجنبية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".هذا حديث حسن. أخرجه ابن ماجه, وابن حبان في صحيحه, والحاكم في مستدركه بهذا اللفظ من حديث ابن عباس وأخرجه الطبراني والدار قطني من حديثه بلفظ: "تجاوز"بدل"وضع". وأخرجه أبو القاسم الفضل بن جعفر التميمي في فوائده من حديثه, بلفظ: "رفع". وأخرجه ابن ماجه أيضا من طريق أبي بكر الهذلي عن شهر عن أبي ذر قال: قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". وأخرجه بهذا اللفظ الطبراني في الكبير من حديث ثوبان. وأخرجه في الأوسط من حديث ابن عمر, وعقبة بن عامر, بلفظ: "وضع عن أمتي" إلى آخره. وإسناد حديث ابن عمر صحيح. وأخرجه ابن عدي في الكامل, وأبو نعيم في التاريخ من حديث أبي بكرة, بلفظ: "رفع الله عن هذه الأمة الخطأ, والنسيان, والأمر يكرهون عليه". وأخرجه ابن أبي حاتم, في تفسيره من طريق أبي بكر الهذلي, عن شهر بن حوشب, عن أم الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تجاوز لأمتي عن ثلاث: الخطأ, والنسيان, والاستكراه". قال أبو بكر: فذكرت ذلك للحسن, فقال: أجل, أما تقرأ بذلك قرآنا: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}.وأبو بكر ضعيف, وكذا شهر. وأم الدرداء إن كانت الصغرى, فالحديث مرسل وإن كانت الكبرى فهو منقطع. وقال سعيد بن منصور في سننه: حدثنا خالد بن عبد الله, عن هشام, عن الحسن, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عفا لكم عن ثلاث: عن الخطأ, والنسيان, وما استكرهتم عليه".وقال أيضا: حدثني إسماعيل بن عياش, حدثني جعفر بن حبان العطاردي. عن الحسن قال سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تجاوز الله لابن آدم عما أخطأ, وعما نسي, وعما أكره, وعما غلب عليه".وأخرج ابن ماجه من حديث أبي هريرة: "إن الله تجاوز لأمتي عما توسوس به صدورها ما لم تعمل, أو تتكلم به, وما استكرهوا عليه". هذه شواهد قوية تقضي للحديث بالصحة. اعلم أن قاعدة الفقه: أن النسيان والجهل, مسقط للإثم مطلقا. وأما الحكم: فإن وقعا في ترك مأمور لم يسقط. بل يجب تداركه. ولا يحصل الثواب لمترتب عليه لعدم الائتمار, أو فعل منهي, ليس من باب الإتلاف فلا شيء فيه, أو فيه إتلاف لم يسقط الضمان. فإن كان يوجب عقوبة كان شبهة في إسقاطها. وخرج عن ذلك صور نادرة, فهذه أقسام. فمن فروع القسم الأول: من نسي صلاة, أو صوما أو حجا, أو زكاة, أو كفارة, أو نذرا: وجب تداركه بالقضاء بلا خلاف. وكذا لو وقف بغير عرفة يجب القضاء اتفاقا. ومنها: من نسي الترتيب في الوضوء. أو نسي الماء في رحله, فتيمم وصلى ثم ذكره. أو صلى بنجاسة لا يعفى عنها ناسيا, أو جاهلا بها. أو نسي قراءة الفاتحة في الصلاة. أو تيقن الخطأ في الاجتهاد في الماء, والقبلة, والثوب وقت الصلاة, والصوم, والوقوف, بأن بان وقوعها قبله. أو صلوا لسواد ظنوه عدوا, فبان خلافه. أو دفع الزكاة إلى من ظنه فقيرا فبان غنيا. أو استناب في الحج لكونه معضوبا. فبرأ. وفي هذه الصور كلها خلاف: قال في شرح المهذب: بعضه كبعض, وبعضه مرتب على بعض, أو أقوى من بعض. والصحيح في الجميع: عدم الإجزاء, ووجوب الإعادة. ومأخذ الخلاف: أن هذه الأشياء, هل هي من قبيل المأمورات التي هي شروط, كالطهارة عن الحدث, فلا يكون النسيان والجهل عذرا في تركها; لفوات المصلحة منها, أو أنها من قبيل المناهي: كالأكل, والكلام, فيكون ذلك عذرا؟ والأول أظهر. ولذلك تجب الإعادة بلا خلاف, فيما لو نسي نية الصوم; لأنها من قبيل المأمورات. وفيما لو صادف صوم الأسير, ونحوه: الليل, دون النهار; لأنه ليس وقتا للصوم كيوم العيد, ذكره في شرح المهذب. ولو صادف الصلاة أو الصوم, بعد الوقت, أجزأ بلا خلاف, لكن هل يكون أداء للضرورة, أو قضاء; لأنه خارج عن وقته؟ قولان, أو وجهان. أصحهما: الثاني. ويتفرع عليه: ما لو كان الشهر ناقصا ورمضان تاما. وأما الوقوف: إذا صادف ما بعد الوقت, فإن صادف الحادي عشر. لم يجز, بلا خلاف, كما لو صادف السابع, وإن صادف العاشر. أجزأ, ولا قضاء; لأنهم لو كلفوا به لم يأمنوا الغلط في العام الآتي أيضا. ويستثنى: ما إذا قل الحجيج, على خلاف العادة, فإنه يلزمهم القضاء, في الأصح; لأن ذلك نادر. وفرق بين الغلط في الثامن والعاشر بوجهين: أحدهما: أن تأخير العبادة عن الوقت, أقرب إلى الاحتساب من تقديمها عليه. والثاني: أن الغلط بالتقديم يمكن الاحتراز عنه, فإنما يقع لغلط في الحساب, أو لخلل في الشهود, الذين شهدوا بتقديم الهلال. والغلط بالتأخير قد يكون بالغيم المانع من الرؤية, ومثل ذلك لا يمكن الاحتراز عنه. ثم صورة المسألة كما قال الرافعي: أن يكون الهلال غم, فأكملوا ذا القعدة ثلاثين, ثم قامت بينة برؤيته ليلة الثلاثين. أما لو وقع الغلط, بسبب الحساب, فإنه لا يجزئ, بلا شك, لتفريطهم, وسواء تبين لهم ذلك بعد العاشر, أو فيه, في أثناء الوقوف, أو قبل الزوال, فوقفوا عالمين. كما نقله الرافعي عن عامة الأصحاب, وصححه في شرح المهذب. ولو أخطأ الاجتهاد في أشهر الحج. فأحرم النفير العام في غير أشهره. ففي انعقاده حجا وجهان: أحدهما: نعم, كالخطأ في الوقوف العاشر. والثاني: لا. والفرق: أنا لو أبطلنا الوقوف في العاشر, أبطلناه من أصله, وفيه إضرار. وأما هنا: فينعقد عمرة, كذا في شرح المهذب, بلا ترجيح. ومن فروع هذا القسم, في غير العبادات: ما لو فاضل في الربويات جاهلا, فإن العقد يبطل اتفاقا, فهو من باب ترك المأمورات; لأن المماثلة شرط, بل العلم بها أيضا. وكذا لو عقد البيع, أو غيره على عين يظنها ملكه فبانت بخلافه, أو النكاح على محرم, أو غيرها من المحرمات جاهلا, لا يصح. ومن فروع القسم الثاني: من شرب خمرا جاهلا, فلا حد, ولا تعزير. ومنها: لو قال: أنت أزنى من فلان, ولم يصرح في لفظه بزنا فلان, لكنه كان ثبت زناه بإقرار, أو بينة. والقائل جاهل, فليس بقاذف, بخلاف ما لو علم به, فيكون قاذفا لهما. ومنها: الإتيان بمفسدات العبادة ناسيا, أو جاهلا, كالأكل في الصلاة, والصوم وفعل ما ينافي الصلاة: من كلام, وغيره. والجماع في الصوم. والاعتكاف, والإحرام والخروج من المعتكف, والعود من قيام الثالثة إلى التشهد ومن السجود إلى القنوت, والاقتداء بمحدث, وذي نجاسة, وسبق الإمام بركنين ومراعاة المزحوم ترتيب نفسه إذا ركع الإمام في الثانية, وارتكاب محظورات الإحرام, التي ليست بإتلاف. كاللبس. والاستمتاع, والدهن, والطيب. سواء جهل التحريم, أو كونه طيبا. والحكم في الجميع: عدم الإفساد, وعدم الكفارة, والفدية. وفي أكثرها خلاف. واستثني من ذلك: الفعل الكثير في الصلاة, كالأكل, فإنه يبطلها في الأصح لندوره. وألحق بعضهم الصوم بالصلاة في ذلك. والأصح: أنه لا يبطل بالكثير; لأنه لا يندر فيه, بخلاف الصلاة; لأن فيه هيئة مذكرة. ومنها: لو سلم عن ركعتين ناسيا, وتكلم عامدا "لظنه إكمال الصلاة" لا تبطل صلاته لظنه أنه ليس في صلاة. ونظيره: ما لو تحلل من الإحرام وجامع, ثم بان أنه لم يتحلل, لكون رميه وقع قبل نصف الليل والمذهب: أنه لا يفسد حجه. ومن نظائره أيضا: لو أكل ناسيا, فظن بطلان صومه, فجامع, ففي وجه: لا يفطر قياسا عليه. والأصح: الفطر; كما لو جامع على ظن أن الصبح لم يطلع, فبان خلافه, ولكن لا تجب الكفارة; لأنه وطئ وهو يعتقد أنه غير صائم. ونظيره أيضا: لو ظن طلاق زوجته بما وقع منه فأشهد عليه بطلاقها. ومن فروع هذا القسم أيضا: ما لو اشترى الوكيل معيبا جاهلا به. فإنه يقع عن الموكل, إن ساوى ما اشتراه به, وكذا إن لم يساو في الأصح, فإنه بخلاف ما إذا علم. تنبيه: من المشكل: تصوير الجهل بتحريم الأكل في الصوم, فإن ذلك جهل بحقيقة الصوم. فإن من جهل الفطر جهل الإمساك عنه, الذي هو حقيقة الصوم, فلا تصح نيته. قال السبكي: فلا مخلص إلا بأحد أمرين: إما أن يفرض في مفطر خاص من الأشياء النادرة, كالتراب, فإنه قد يخفى, ويكون الصوم الإمساك عن المعتاد, وما عداه شرط في صحته, "وإما أن يفرض" كما صوره بعض المتأخرين فيمن احتجم أو أكل ناسيا; فظن أنه أفطر, فأكل بعد ذلك, جاهلا بوجوب الإمساك, فإنه لا يفطر على وجه. لكن الأصح فيه: الفطر. انتهى.وقال القاضي حسين: كل مسألة تدق, ويغمض معرفتها, هل يعذر فيها العامي؟ وجهان, أصحهما: نعم. ومن فروع القسم الثالث: إتلاف مال الغير: فلو قدم له غاصب طعاما ضيافة, فأكله جاهلا, فقرار الضمان عليه في أظهر القولين, ويجريان في إتلاف مال نفسه جاهلا. وفيه صور: منها: لو قدم له الغاصب المغصوب منه, فأكله ضيافة جاهلا, برئ الغاصب في الأظهر. ومنها: لو أتلف المشتري المبيع قبل القبض جاهلا, فهو قابض في الأظهر. ومنها: لو خاطب زوجته بالطلاق جاهلا بأنها زوجته, بأن كان في ظلمة, أو نكحها له وليه, أو وكيله, ولم يعلم. وقع, وفيه احتمال للإمام. ومنها: لو خاطب أمته بالعتق, كذلك قال الرافعي. ومن نظائرها: ما إذا نسي أن له زوجة, فقال: زوجتي طالق. ومنها: كما قال ابن عبد السلام: ما إذا وكل وكيلا في إعتاق عبد, فأعتقه ظنا منه أنه عبد الموكل, فإذا هو عبد الوكيل, نفذ عتقه. قال العلائي: ولا يجيء فيه احتمال الإمام; لأن هذا قصد قطع الملك, فنفذ. ومنها: إذا قال الغاصب, لمالك العبد المغصوب: أعتق عبدي هذا, فأعتقه جاهلا, عتق على الصحيح. وفي وجه: لا; لأنه لم يقصد قطع ملك نفسه. قلت: خرج عن هذه النظائر مسألة, وهي: ما إذا استحق القصاص على رجل, فقتله خطأ, فالأصح: أنه لا يقع الموقع. ومن فروع هذا القسم أيضا: محظورات الإحرام, التي هي إتلاف, كإزالة الشعر, والظفر, وقتل الصيد. لا تسقط فديتها بالجهل والنسيان. ومنها: يمين الناسي والجاهل, فإذا حلف على شيء بالله, أو الطلاق, أو العتق: أن يفعله, فتركه ناسيا, أو لا يفعله, ففعله ناسيا للحلف, أو جاهلا أنه المحلوف عليه, أو على غيره, ممن يبالي بيمينه, ووقع ذلك منه جاهلا, أو ناسيا, فقولان في الحنث, رجح كلا المرجحون. ورجح الرافعي في المحرر عدم الحنث مطلقا, واختاره في زوائد الروضة والفتاوى. قال: لحديث: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" وهو عام, فيعمل بعمومه, إلا ما دل دليل على تخصيصه كغرامة المتلفات. ثم استثني من ذلك: ما لو حلف لا يفعل عامدا, ولا ناسيا, فإنه يحنث بالفعل ناسيا بلا خلاف, لالتزام حكمه. هذا في الحلف على المستقبل. أما على الماضي, كأن حلف أنه لم يفعل, ثم تبين أنه فعله فالذي تلقفناه من مشايخنا أنه يحنث. ويدل له قول النووي في فتاويه: صورة المسألة أن يعلق الطلاق على فعل شيء, فيفعله ناسيا لليمين, أو جاهلا بأنه المحلوف عليه. ولابن رزين: فيه كلام مبسوط, سأذكره. والذي في الشرح والروضة: أن فيه القولين. في الناسي ومقتضاه, عدم الحنث. وعبارة الروضة: لو جلس مع جماعة, فقام ولبس خف غيره, فقالت له امرأته: استبدلت بخفك, ولبست خف غيرك, فحلف بالطلاق: أنه لم يفعل, إن قصد أني لم آخذ بدله كان كاذبا, فإن كان عالما طلقت. وإن كان ساهيا, فعلى قولي طلاق الناسي انتهى. ولك أن تقول: لا يلزم من إجراء القولين الاستواء في التصحيح, وابن رزين أبسط من تكلم على المسألة. وها أنا أورد عبارته بنصها, لما فيها من الفوائد. قال: للجهل والنسيان والإكراه حالتان: إحداهما: أن يكون ذلك واقعا في نفس اليمين أو الطلاق, فمذهب الشافعي أن المكره على الطلاق, لا يقع طلاقه, إذا كان غير مختار لذلك من جهة غير الإكراه, بل طاوع المكره, فيما أكرهه عليه بعينه وصفته. ويستوي في ذلك: الإكراه على اليمين, وعلى التعليق. ويلتحق بالإكراه في ذلك: الجهل الذي يفقد معه القصد إلى اللفظ, مع عدم فهم معناه والنسيان, وذلك بأن يتلفظ بالطلاق من لا يعرف معناه أصلا, أو عرفه, ثم نسيه فهذان نظير المكره, فلا يقع بذلك طلاق, ولا ينعقد بمثله يمين. وذلك إذا حلف باسم من أسماء الله تعالى, وهو لا يعرف أنه اسمه. أما إذا جهل المحلوف عليه, أو نسيه, كما إذا دخل زيد الدار, وجهل ذلك الحالف أو علمه, ثم نسيه فحلف بالله أو بالطلاق: أنه ليس في الدار فهذه يمين ظاهرها تصديق نفسه في النفي, وقد يعرض فيها أن يقصد أن الأمر كذلك "في اعتقاده أو فيما انتهى إليه علمه أي: لم يعلم خلافه, ولا يكون قصده الجزم بأن الأمر كذلك" في الحقيقة, بل ترجع يمينه إلى أنه حلف أنه يعتقد كذا, أو يظنه, وهو صادق في أنه يعتقد ذلك, أو ظان له, فإن قصد الحالف ذلك حالة اليمين أو تلفظ به متصلا بها لم يحنث, وإن قصد المعنى الأول, أو أطلق ففي وقوع الطلاق, ووجوب الكفارة قولان مشهوران: مأخذهما: أن النسيان, والجهل هل يكونان عذرا له في ذلك, كما كانا عذرا في باب الأوامر والنواهي, أم لا يكونان عذرا, كما لم يكونا عذرا في غرامات المتلفات؟ ويقوي إلحاقهما بالإتلافات, بأن الحالف بالله أن زيدا في الدار, إذا لم يكن فيها. قد انتهك حرمة الاسم الأعظم جاهلا, أو ناسيا, فهو كالجاني خطأ. والحالف بالطلاق إن كانت يمينه بصيغة التعليق, كقوله: إن لم يكن زيد في الدار, فزوجتي طالق, إذا تبين أنه لم يكن فيها, فقد تحقق الشرط, الذي علق الطلاق عليه, فإنه لم يتعرض إلا لتعليق الطلاق على عدم كونه في الدار, ولا أثر لكونه جاهلا, أو ناسيا في عدم كونه في الدار. وأما إذا كان بغير صيغة التعليق, كقوله لزوجته: أنت طالق, لقد خرج زيد من الدار. وكقوله: الطلاق يلزمني ليس زيد في الدار. فهذا إذا قصد به اليمين, جرى مجرى التعليق وإلا لوقع الطلاق في الحال, وإذا جرى مجرى التعليق, كان حكمه حكمه. والحالة الثانية: الجهل, والنسيان, والإكراه, أن يعلق الطلاق على دخول الدار أو دخول زيد الدار, أو يحلف بالله لا يفعل ذلك, فإذا دخلها المحلوف عليه ناسيا, أو جاهلا, أو مكرها, فإن جرد قصده عن التعليق المحض, كما إذا حلف لا يدخل السلطان البلد اليوم, أو لا يحج الناس في هذا العام. فظاهر المذهب: وقوع الطلاق, والحنث في مثل هذه الصورة. وقع ذلك عمدا, أو نسيانا, اختيارا, أو مع إكراه, أو جهل. وإن قصد باليمين تكليف المحلوف عليه ذلك, لكونه يعلم أنه لا يرى مخالفته مع حلفه أو قصد باليمين على فعل نفسه, أن تكون يمينه رادعة عن الفعل, فالمذهب في هاتين الصورتين أنه لا يحنث إذا فعل المحلوف عليه ناسيا أو جاهلا إذ رجعت حقيقة هذه اليمين إلى تكليف نفسه ذلك, أو تكليف المحلوف عليه ذلك, والناسي لا يجوز تكليفه, وكذلك الجاهل. وأما إن فعله مكرها فالإكراه لا ينافي التكليف, فإنا نحرم على المكره القتل ونبيح له الفطر في الصوم, وإذا كان مكلفا وقد فعل المحلوف عليه فيظهر وقوع الطلاق والحنث كما تقدم في المسألة الأولى إلحاقا بالإتلاف, لتحقق وجود الشرط المعلق عليه. إذ لفظ التعليق عام يشمل فعل المعلق عليه مختارا, ومكرها وناسيا وجاهلا وذاكرا ليمين وعالما, وبهذا تمسك من مال إلى الحنث, ووقوع الطلاق في صورة النسيان والجهل. لكنا إنما اخترنا عدم وقوع الطلاق فيهما; لأن قصد التكليف يخصهما, ويخرجهما عن الدخول تحت عموم اللفظ, فلا ينهض; لأن مخرج الإكراه لكونه لا ينافي التكليف, كما ذكرنا. هذا ما ترجح عندي في الصورة التي فصلتها. وبقي صورة واحدة وهي: ما إذا أطلق التعليق ولم يقصد تكليفا ولا قصد التعليق المحض بل أخرجه مخرج اليمين. فهذه الصورة: هي التي أطلق معظم الأصحاب فيها القولين. واختار صاحب المهذب والانتصار والرافعي, عدم الحنث وعدم وقوع الطلاق. وكان شيخنا ابن الصلاح: يختار وقوعه ويعلله بكونه مذهب أكثر العلماء, وبعموم لفظ التعليق ظاهرا, لكن قرينة الحث والمنع تصلح للتخصيص وفيها بعض الضعف. ومن ثم توقف صاحب الحاوي, ومن حكى عنه التوقف من أشياخه في ذلك. فالذي يقوي التخصيص: أن ينضم إلى قرينة الحث, والمنع: القصد للحث, والمنع, فيقوي حينئذ التخصيص كما اخترناه. والغالب: أن الحالف على فعل مستقبل من أفعال من يعلم أنه يرتدع منه يقصد الحث أو المنع فيختار أيضا: أن لا يقع طلاقه بالفعل مع الجهل والنسيان, إلا أن يصرفه عن الحث أو المنع بقصد التعليق على الفعل مطلقا, فيقع في الصور كلها بوجود الفعل. وأما من حلف على فعل نفسه, فلا يمتنع وقوع طلاقه بالنسيان أو الجهل إلا عند قصد الحث أو المنع, انتهى كلامه بحروفه. وما جزم به من الحنث في الحالة الأولى وهي: الحلف على الماضي ناسيا أو جاهلا: ذكره بحروفه القمولي في شرح الوسيط جازما به, ونقله عنه الأذرعي في القوت. وقال: إنه أخذه من كلام ابن رزين ونقل غير واحد أن ابن الصلاح صرح بتصحيحه وبتصحيح الحنث في المستقبل أيضا, فإذا جمعت بين المسألتين حصلت ثلاثة أقوال. ثالثها: الحنث في الماضي دون المستقبل, وهو الذي قرره ابن رزين, ومتابعوه, وهو المختار. تنبيه: من المشكل قول المنهاج: ولو علق بفعله ففعل ناسيا للتعليق أو مكرها, لم تطلق في الأظهر أو بفعل غيره ممن يبالي بتعليقه وعلم به; فكذلك وإلا فيقع قطعا. ووجه الإشكال أن قوله: "وأن لا يدخل فيه" ما إذا لم يبال بتعليقه ولم يعلم به.
وما إذا علم به ولم يبال, وما إذا بالى ولم يعلم, والقطع بالوقوع في الثالثة مردود. وقد استشكله السبكي وقال: كيف يقع بفعل الجاهل قطعا, ولا يقع بفعل الناسي على الأظهر, مع أن الجاهل أولى بالمعذرة من الناسي؟ وقد بحث الشيخ علاء الدين الباجي في ذلك هو والشيخ زين الدين الكتاني في درس ابن بنت الأعز, وكان ابن الكتاني مصمما على ما اقتضته عبارة المنهاج والباجي في مقابله. قال السبكي: والصواب أن كلام المنهاج محمول على ما إذا قصد الزوج مجرد التعليق, ولم يقصد إعلامه ليمتنع. وقد أرشد الرافعي إلى ذلك, فإن عبارته وعبارة النووي في الروضة: ولو علق بفعل الزوجة أو أجنبي, فإن لم يكن للمعلق بفعله شعور بالتعليق, ولم يقصد الزوج إعلامه. ففي قوله: "ولم يقصد إعلامه" ما يرشد إلى ذلك. وقال في المهمات: أشار بقوله: "ولم يقصد إعلامه" إلى قصد الحث والمنع, وعبر عنه به; لأن قاصده يقصد إعلام الحالف بذلك ليمتنع منه. ولهذا لما تكلم على القيود, ذكر الحث والمنع عوضا عن الإعلام. قال: والظاهر أنه معطوف بأو, لا بالواو, حتى لا يكون المجموع شرطا, فإن الرافعي شرط بعد ذلك, لعدم الوقوع شروطا ثلاثة: شعوره, وأن يبالي, وأن يقصد الزوج الحث والمنع. قال: وما اقتضاه كلام الرافعي من الحنث, إذا لم يعلم المحلوف عليه, رجحه الصيدلاني, فيما جمعه من طريقة شيخه القفال فقال: فإن قصد منعه, فإن لم يعلم القادم حتى قدم, حنث الحالف وإن علم به ثم نسي فعلى قولين. ومنهم من قال: على قولين بكل حال, وكذلك الغزالي في البسيط فقال: إذا علق بفعلها في غيبتها فلا أثر لنسيانها, وإن كانت مكرهة فالظاهر الوقوع; لأن هذا في حكم التعليق لا قصد المنع, ومنهم من طرد فيه الخلاف, انتهى. وخالف الجمهور فخرجوه على القولين: الشيخ أبو حامد والمحاملي وصاحبا المهذب والتهذيب والجرجاني والخوارزمي انتهى. وقال ابن النقيب: القسم الثالث وهو: ما إذا بالى, ولم يعلم, ليس في الشرح والروضة هنا, ويقتضي المنهاج: الوقوع فيه قطعا, فليحرر. فرع: في المسائل المبنية على الخلاف في حنث الناسي والمكره. قال: لأقتلن فلانا, وهو يظنه حيا فكان ميتا, ففي الكفارة خلاف الناسي. قال: لا أسكن هذه الدار, فمرض وعجز عن الخروج, ففي الحنث خلاف المكره. قال: لأشربن ماء هذا الكوز, فانصب, أو شربه غيره أو مات الحالف قبل الإمكان, ففيه خلاف المكره. قال: لا أبيع لزيد مالا, فوكل زيد وكيلا وأذن له في التوكيل, فوكل الحالف فباع وهو لا يعلم, ففيه خلاف الناسي. قال: لأقضين حقك غدا, فمات الحالف قبله أو أبرأه أو عجز, ففيه خلاف المكره. قال: لأقضين عند رأس الهلال, فأخره عن الليلة الأولى للشك فيه, فبان كونها من الشهر, ففيه خلاف الناسي. قال: لا رأيت منكرا إلا رفعته إلى القاضي فلم يتمكن من الرفع لمرض أو حبس أو جاء إلى باب القاضي فحجب, أو مات القاضي قبل وصوله إليه, ففيه خلاف المكره. قال: لا أفارقك حتى أستوفي حقي, ففر منه الغريم, ففيه خلاف المكره. فإن قال لا تفارقني ففر الغريم, حنث مطلقا; لأنها يمين على فعل غيره, بخلاف الأولى ولا يحنث مطلقا إن فر الحالف, فإن أفلس في الصورة الأولى فمنعه الحاكم من ملازمته, ففيه خلاف المكره, وإن استوفى فبان ناقصا ففيه خلاف الجاهل. فرع: خرج عن هذا القسم صور عذر فيها بالجهل في الضمان. منها: إذا أخرج الوديعة من الحرز على ظن أنها ملكه فتلفت, فلا ضمان عليه ولو كان عالما ضمن, ذكره الرافعي. قال الأسنوي: ومثله الاستعمال والخلط ونحوهما. ومنها: إذا استعمل المستعير العارية, بعد رجوع المعير جاهلا فلا أجرة عليه نقله الرافعي عن القفال وارتضاه. ومنها: إذا أباح له ثمرة بستان ثم رجع فإن الآكل لا يغرم ما أكله بعد الرجوع, وقبل العلم كما ذكره في الحاوي الصغير. وحكى الرافعي: فيه وجهين من غير تصريح بترجيح. ومنها: إذا وهبت المرأة نوبتها من القسم لضرتها ثم رجعت فإنها لا تعود إلى الدور من الرجوع على الصحيح بل من حين العلم به. ومن فروع القسم الرابع. الواطئ بشبهة فيه مهر المثل; لإتلاف منفعة البضع دون الحد. منها: من قتل جاهلا بتحريم القتل, فلا قصاص عليه. ومنها: قتل الخطأ, فيه الدية والكفارة دون القصاص. ومن ذلك مسألة الوكيل: إذا اقتص بعد عفو موكله جاهلا فلا قصاص عليه على المنصوص, وعليه الدية في ماله والكفارة ولا رجوع له على العافي; لأنه محسن بالعفو وقيل لا دية, وقيل هي على العاقلة وقيل يرجع على العافي; لأنه غره بالعفو. ونظير هذه المسألة: ما لو أذن الإمام للولي في قتل الجانية, ثم علم حملها فرجع ولم يعلم الولي رجوعه فقتل, فالضمان على الولي. ومن ذلك: بعد أقسام مسألة الدهشة ولنلخصها فنقول: إذا قال مستحق اليمين للجاني: أخرجها, فأخرج يساره فقطعت فله أحوال. أحدها: أن يقصد إباحتها, فهي مهدرة لا قصاص ولا دية سواء علم القاطع أنها اليسار وأنها لا تجزئ أو لا; لأن صاحبها بذلها مجانا; ولأن فعل الإخراج اقترن بقصد الإباحة فقام مقام النطق, كتقديم الطعام إلى الضيف; ولأن الفعل بعد السؤال والطلب, كالإذن كما لو قال: ناولني يدك لأقطعها, فأخرجها أو ناولني متاعك لألقيه في البحر فناوله, فلا ضمان. نعم, يعزر القاطع إذا علم ويبقى قصاص اليمين كما كان. فإن قال: ظننت أنها تجزئ أو علمت أنها لا تجزئ ولكن جعلتها عوضا عنها سقط وعدل إلى دية اليمين لرضاه بسقوط قصاصها اكتفاء باليسار. الحال الثاني: أن يقصد المخرج إجزاءها عن اليمين, فيسأل المقتص. فإن قال: ظننت أنه أباحها بالإخراج أو أنها اليمين, أو علمت أنها اليسار, وأنها لا تجزئ ولا تجعل بدلا, فلا قصاص فيها في الصور الثلاث في الأصح لتسليط المخرج له عليها, ولكن تجب ديتها ويبقى قصاص اليمين. وإن قال: علمت أنها اليسار وظننت أنها تجزئ, سقط قصاص اليمين وتجب لكل الدية على الآخر. الحال الثالث: أن يقول: دهشت فأخرجت اليسار, وظني أني أخرج اليمين فيسأل المقتص, فإن قال ظننت أنه أباحها. قال الرافعي: فقياس المذكور في الحال الثاني, أن لا يجب القصاص في اليسار. قال الأذرعي: وصرح به الكافي لوجود صورة البدل, قال البلقيني هو السديد. قال البغوي: تجب كمن قتل رجلا وقال ظننته أذن لي في القتل; لأن الظنون البعيدة لا تدرأ القصاص. وإن قال: ظننتها اليمين أو علمت أنها اليسار وظننتها تجزئ, فلا قصاص في الأصح أما في الأولى, فلأن الاشتباه فيهما قريب. وأما في الثانية, فلعذره بالظن. وإن قال: علمت أنها اليسار وأنها لا تجزئ وجب القصاص في الأصح; لأنه لم يوجد من المخرج بذل وتسليط. وفي الصور كلها يبقى قصاص اليمين, إلا في قوله: ظننت أن اليسار تجزئ. وإن قال: دهشت أيضا, لم يقبل منه ويجب القصاص; لأن الدهشة لا تليق بحاله وإن قال: قطعتها عدوانا وجب أيضا. وإن قال المخرج: لم أسمع أخرج يمينك وإنما وقع في سمعي يسارك. أو قال: قصدت فعل شيء يختص بي أو كان مجنونا, فهو كالمد هوش. هذا تحرير أحكام هذه المسألة. وفي نظيرها من الحد يجزئ, ويسقط قطع اليمين بكل حال. والفرق أن المقصود في الحد التنكيل, وقد حصل, والقصاص مبني على التماثل وأن الحدود مبنية على التخفيف, وأن اليسار تقطع في السرقة في بعض الأحوال, ولا تقطع في القصاص عن اليمين بحال. فرع: خرج عن هذا القسم صور, لم يعذر فيها بالجهل. منها: ما إذا بادر أحد الأولياء, فقتل الجاني بعد عفو بعض الأولياء, جاهلا به فإن الأظهر وجوب القصاص عليه; لأنه متعد بالانفراد. ومنها: إذا قتل من علمه مرتدا أو ظن أنه لم يسلم, فالمذهب: وجوب القصاص لأن ظن الردة لا يفيد إباحة القتل, فإن قتل المرتد إلى الإمام, لا إلى الآحاد. ومنها: ما إذا قتل من عهده ذميا أو عبدا, وجهل إسلامه وحريته فالمذهب وجوب القصاص; لأن جهل الإسلام والحرية لا يبيح القتل. ومنها: ما إذا قتل من ظنه قاتل أبيه, فبان خلافه, فالأظهر وجوب القصاص; لأنه كان من حقه التثبت. ومنها: ما إذا ضرب مريضا جهل مرضه ضربا يقتل المريض دون الصحيح فمات فالأصح: وجوب القصاص; لأن جهل المرض لا يبيح الضرب. وعلم من ذلك: أن الكلام فيمن لا يجوز له الضرب. أما من يجوز له للتأديب, فلا يجب القصاص قطعا, وصرح به في الوسيط وخرج عنه صور عذر فيها بالجهل.حتى في الضمان. منها: ما إذا قتل مسلما بدار الحرب, ظانا كفره, فلا قصاص قطعا, ولا دية في الأظهر. ومنها: إذا رمى إلى مسلم تترس به المشركون فإن علم إسلامه: وجبت الدية وإلا فلا ومنها: إذا أمر السلطان رجلا بقتل رجل ظلما, والمأمور لا يعلم, فلا قصاص عليه ولا دية, ولا كفارة. ومنها: إذا قتل الحامل في القصاص; فانفصل الجنين ميتا, ففيه غرة وكفارة. أو حيا فمات, فدية. ثم إذا استقل الولي بالاستيفاء, فالضمان عليه. وإن أذن له الإمام, فإن علما أو جهلا أو علم الإمام دون الولي, اختص الضمان بالإمام على الصحيح; لأن البحث عليه, وهو الآمر به. وفي وجه: على الولي; لأنه المباشر. وفي آخر: عليهما. وإن علم الولي, دون الإمام, اختص بالولي على الصحيح لاجتماع العلم والمباشر. وفي وجه: بالإمام لتقصيره. ولو باشر القتل جلاد الإمام; فإن جهل, فلا ضمان عليه بحال; لأنه آلة الإمام, وليس عليه البحث عما يأمره به, وإن كان عالما, فكالولي إن علم الإمام, فلا شيء عليه وإلا اختص به. ولو علم الولي مع الجلاد, ففي أصل الروضة: الأصح أنه يؤثر, حتى إذا كانوا عالمين ضمنوا أثلاثا. قال في المهمات: وهذا غير مستقيم; لأن الأصح فيما إذا علما, أو جهلا: أن الضمان على الإمام خاصة, فكيف يستقيم ذلك هنا؟.قال: قال: فالصواب تفريع المسألة على القول بالوجوب عليهما إذا علما. ثم من المشكل: أنهما صححا هنا اختصاص الضمان بالإمام, إذا علم هو والولي; وصححا فيما إذا رجع الشهود, واقتص الولي بعد حكم الحاكم, بأن القصاص واجب على الكل, بل لم يقل أحد بأن الضمان في هذه الصورة يختص بالحاكم. وصححا فيما إذا أمر السلطان بقتل رجل ظلما وكان هو والمأمور عالمين اختصاصه بالمأمور, إذا لم يكن إكراه. فهذه ثلاث نظائر مختلفة. قال في ميدان الفرسان: وكأن الفرق: أن الإحاطة بسبب المنع من الإقدام على القتل في غير مسألة الحامل لا يتوقف على اختيار الحاكم به بخلاف فيها, فإن مناط المنع فيها الظن الناشئ من شهادة النسوة بالحمل. ومنصب سماع الشهادة يختص بالحاكم, فإذا أمكن من القتل بعد أدائها. آذن ذلك بضعف السبب عنده, فأثر في ظن الولي, فلذلك أحيل الضمان على تفريط الحاكم, ولم يقل به عند رجوع الولي والقاضي, لعدم ذلك فيه. انتهى. من يقبل منه دعوى الجهل ومن لايقبل. كل من جهل تحريم شيء مما يشترك فيه غالب الناس. لم يقبل, إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام, أو نشأ ببادية بعيدة يخفى فيها مثل ذلك: كتحريم الزنا, والقتل, والسرقة والخمر, والكلام في الصلاة, والأكل في الصوم, والقتل بالشهادة إذا رجعا, وقالا تعمدنا, ولم نعلم أنه يقتل بشهادتنا. ووطء المغصوبة, والمرهونة بدون إذن الراهن, فإن كان بإذنه قبل مطلقا; لأن ذلك يخفى على العوام. ومن هذا القبيل أعني الذي يقبل فيه دعوى الجهل مطلقا لخفائه كون التنحنح مبطلا للصلاة, أو كون القدر الذي أتى به من الكلام محرما, أو النوع الذي تناوله مفطرا فالأصح في الصور الثلاث: عدم البطلان. ولو علم تحريم الطيب, واعتقد في بعض أنواع الطيب أنه ليس بحرام, فالصحيح وجوب الفدية لتقصيره, كذا في كتب الشيخين. فقد يقال: إنه مخالف لمسألتي الصلاة, والصوم. ولا يقبل دعوى الجهل, بثبوت الرد بالعيب. والأخذ بالشفعة من قديم الإسلام لاشتهاره, وتقبل في ثبوت خيار العتق, وفي نفي الولد في الأظهر; لأنه لا يعرفه إلا الخواص. قاعدة: كل من علم تحريم شيء, وجهل ما يترتب عليه, لم يفده ذلك. كمن علم تحريم الزنا, والخمر, وجهل وجوب الحد. يحد بالاتفاق; لأنه كان حقه الامتناع. وكذا لو علم تحريم القتل, وجهل وجوب القصاص: يجب القصاص. أو علم تحريم الكلام, وجهل كونه مبطلا: يبطل. وتحريم الطيب, وجهل وجوب الفدية: تجب. فرع: علم بثبوت الخيار, وقال: لم أعلم أنه على الفور. قالوا: في الرد بالعيب, والأخذ بالشفعة. يقبل; لأن ذلك مما يخفى. كذا أطلقه الرافعي, واستدركه النووي, فقال: شرطه أن يكون مثله ممن يخفى عليه. وفي عتق الأمة نقل الرافعي عن الغزالي: أنها لا تقبل. وجزم به في الحاوي الصغير; لأن من علم ثبوت أصل الخيار علم كونه على الفور. ثم قال الرافعي: ولم أر لهذه الصورة تعرضا في سائر كتب الأصحاب. نعم: صورها العبادي في الرقم: بأن تكون قديمة عهد بالإسلام, وخالطت أهله: فإن كانت حديثة عهد, ولم تخالط أهله, فقولان. وفي نفي الولد: سوى في التنبيه بينه وبين دعوى الجهل بأصل الخيار, فيفصل فيه بين قديم الإسلام وقريبه. وأقره النووي في التصحيح ولا ذكر للمسألة في الروضة وأصلها.
تذنيب: في نظائر متعلقة بالجهل. منها: عزل الوكيل قبل علمه. فيه وجهان, والأصح: انعزاله, وعدم نفوذ تصرفه. ومنها: عزل القاضي قبل علمه. والأصح فيه: عدم الانعزال, حتى يبلغه. والفرق: عسر تتبع أحكامه بالإبطال, بخلاف الوكيل. ومنها: الواهبة نوبتها في القسم إذا رجعت ولم يعلم الزوج: لا يلزمه القضاء, وقيل: فيه خلاف الوكيل. ومنها: لو قسم للحرة ليلتين, والأمة ليلة فعتقت ولم يعلم. قال الماوردي: لا قضاء وقال ابن الرفعة: القياس أن يقضي لها. ومنها: لو أباح ثمار بستانه, ثم رجع, ولم يعلم المباح له. ففي ضمان ما أكل خلاف الوكيل. ومنها: النسخ قبل بلوغ المكلف, فيه خلاف الوكيل, قاله الروياني. ومنها: لو عفا الولي, ولم يعلم الجلاد. فاقتص, ففي وجوب الدية قولان مخرجان من عزل الوكيل. أصحهما: الوجوب. ومنها: لو أذن لعبده في الإحرام. ثم رجع, ولم يعلم العبد, فله تحليله في الأصح. ومنها: لو أذن المرتهن في بيع المرهونة. ثم رجع, ولم يعلم الراهن ففي نفوذ تصرفه وجهان. أصحهما:لا ينفذ. ومنها: إذا خرج الأقرب عن الولاية, فهي للأبعد, فلو زال المانع من الأقرب, وزوج الأبعد وهو لا يعلم ففي الصحة: الوجهان. ومنها: لو عتقت الأمة, ولم تعلم, فصلت مكشوفة الرأس فقولان. أصحهما: تجب الإعادة. ومنها: لو وكله وهو غائب, فهل يكون وكيلا من حين التوكيل, أو من حين بلوغ الخبر؟ وجهان: مقتضى ما في الروضة: تصحيح الأول. ومنها: لو أذن لعبده في النكاح, ثم رجع ولم يعلم العبد, ففي صحة نكاحه. وجهان. ومنها: لو استأذنها غير المجبر, فأذنت, ثم رجعت, ولم يعلم حتى زوج: ففي صحته خلاف الوكيل
|